الوقت- منذ عام 2000 والرئيس "فلاديمير بوتين" يتحكّم بزمام الأمور داخل الكرملين الروسي وذلك يرجع إلى الدعم الذي يتلقاه من أعضاء حزب روسيا الموحدة الحاكم في روسيا. وهذه المرّة أقدم "الحزب الشيوعي" في روسيا على التخلّي بشكل غير متوقع عن زعيمه المخضرم "غينادي زيوغانوف" لمنافسة الرئيس "فلاديمير بوتين" على الرئاسة واختار بدلاً منه "بافيل غرودينين" كمرشحٍ له للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التي سُتعقد بعد أقل من أسبوعين ومن المحتمل أن يكون لهذا المرشح فرصة كبيرة للفوز في تلك الانتخابات وذلك لأن هذا الحزب يُعدّ ثاني أقوى حزب في البرلمان الروسي بعد الحزب الحاكم في البلاد.
ويعتبر "فلاديمير جيرونوفسكي" زعيم الحزب الوطني الليبرالي الديمقراطي، هو المرشح الثالث الذي سيشارك في الانتخابات الروسية، وهنا تجدر الإشارة بأن "جيرونوفسكي" ما زال يتزعم قيادة الحزب الوطني منذ توليه هذا المنصب في عام 1991 وحتى الآن.
كما أن "سيرجي بابورين" المرشح القومي، يعدّ المنافس الرابع لـ "بوتين" في سباق الانتخابات الرئاسية وتشير بعض التقارير إلى أن "بابورين" لديه الكثير من الميول اليسارية ولقد أطلق الكثير من الوعود خلال حملته الانتخابية والتي زعم فيها بأنه سيعمل على إيجاد تغييرات كبيرة في روسيا. وبعد ذلك يأتي "بوريس تيتوف" رئيس حزب التنمية كمرشح يمثل عالم الأعمال في روسيا والذي تشير التقارير بأن هنالك احتمال كبير بأن يفشل هذا المرشح في هذه الانتخابات الرئاسية التي ستجري في روسيا ولقد صرّح "تيتوف" بأن الهدف الرئيس من مشاركته في الانتخابات هو "إقناع السلطات وبوتين نفسه بإصلاح الاقتصاد" وليس الفوز فيها.
والمرشح التالي هو الليبرالي المخضرم "جريجوري يافلينسكي" رئيس حزب "يابلوكو" الذي قام بتسجيل اسمه للمشاركة في الانتخابات الرئاسية الروسية وتجدر الإشارة هنا إلى أن "يافلينسكي" يخوض هذه الانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة ولقد نال في انتخابات 1996 و2000 أقل من 10 بالمئة من الأصوات.
كما أن الصحافية والممثلة الروسية "كسينيا سوبتشاك" من حزب "المبادرة المدنية" هي أيضاً مشاركة كمرشحة في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في روسيا بعد أقل من أسبوعين ولقد أطلقت "سوبتشاك" الكثير من الشعارات الانتخابية التي دعت فيها إلى ضرورة إجراء إصلاحات في جميع مرافق الدولة، ولكنّ كثيراً من المحللين السياسيين يرون بأنها لن تستطيع أن تفوز في تلك الانتخابات الرئاسية وذلك لأنها لا تحظى بشعبية كبيرة عند الشعب والرأي العام الروسي.
والمشارك الأخير في تلك الانتخابات الرئاسية الروسية هو "ماكسيم سورايكين" العضو والمرشح عن حزب "شيوعيو روسيا" ويرى المحللون السياسيون بأن نسبة نجاح "سورايكين" في هذه الانتخابات، هي أقل من واحد في المئة.
إن هؤلاء المرشحين الثمانية هم الذين سيشاركون في الانتخابات الرئاسية الروسية التي ستجري في الـ "18 مارس" الحالي. بيد أنه ووفقاً لاستطلاعات الرأي العام، فإن "بوتين" لديه فرصة للفوز بنسبة تصل إلى أكثر من 70 في المئة.
إن الحقيقة التي نشاهدها اليوم في روسيا، هي أن هناك ثلاثة ملامح تفرض سيطرتها على النظام الحاكم في البلاد منذ زمان روسيا القيصرية وتتمثل تلك الملامح في المركزية والفردية والاستبدادية وهذه الملامح كثيراً ما تكرّرت حتى في زمان روسيا الجديدة وعلى هذا الأساس، فإن كل شيء ينتهي إلى ذلك الفرد الذي يتلقّى دعماً من الأغلبية وهذا الدور هو الذي يلعبه "بوتين" اليوم.
إن المسألة ذات الأهمية الكبرى في انتخابات الرئاسة الروسية لعام 2018، تتمثل في السياسة الخارجية لهذا البلد وخاصة علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وإيران خلال الفترة الرابعة لرئاسة "بوتين" والتي ستبدأ عملياً في شهر مايو القادم. أي إن الفترة الحالية ستستمر حتى الـ"9 مايو" وبعدها ستبدأ فترة "بوتين" الرئاسية الرابعة وستستمر لمدة "6 سنوات" حتى عام 2024. ويبدو أن التحدي الرئيس الذي سيواجه "بوتين" خلال السنوات الست المقبلة، هي تلك التغييرات التي أحدثها خلال الفترة السابقة على مستوى السياسة الخارجية لبلاده ومن المحتمل أن يقوم "بوتين" بعزل "سيرغي لافروف"، الذي خدم روسيا كوزير للخارجية منذ 14 عاماً ولقد تحدّثت بعض الصحف الروسية عن احتمالية حدوث تغييرات داخلية في الحكومة الروسية ولفتت إلى أن هناك احتمالاً كبيراً بتغيير رئيس الوزراء الحالي "ديمتري ميدفيديف".
وفي سياق متصل تشير بعض التقارير إلى أن روسيا لن تسعى خلال الفترة القادمة إلى الدخول في منازعات مع أمريكا والدول الأوروبية، بل إنها ستستمر في توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وشرق أوروبا وبهذا الأمر ستجد روسيا نفسها في مواجهة مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة وهنا يمكننا أن نتوقّع بأنها سوف تتبع سياسة التناقض.
ومن جهة أخرى يجب القول هنا بأن الكرملين لن يسعى إلى إحياء الحرب الباردة بينه وبين الولايات المتحدة وذلك لأن التنافس السوفياتي الأمريكي خلال الحرب الباردة الماضية، كان تنافساً إيديولوجياً ولكن اليوم يتمثل التنافس بينهما في تقسيم المصالح وتوسيع مجال النفوذ وفي مثل هذه الأوضاع، فإن هذين البلدين سوف يتعاونان مع بعضهما البعض في بعض المسائل السياسية وسيتنافسان في مجالات أخرى، وعلى سبيل المثال، شبه جزيرة "القرم" فهي تعتبر واحدة من المناطق التي لا تزال "موسكو" تتنازع عليها مع الدول الغربية ومن المرجح أن تستمر هذه المنازعات والمشاحنات خلال السنوات الست المقبلة.
ولكن فيما يخصّ منطقة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص ما يحدث في سوريا، فلقد قامت روسيا بإنشاء قاعدة عسكرية لها في ميناء "طرطوس" الواقع إلى الشرق من البحر الأبيض المتوسط وتعتزم "موسكو" أن تزيد من عدد جنودها في قاعدتها العسكرية المتمركزة في "طرطوس" في المستقبل ومن جهة أخرى تسعى روسيا إلى زيادة عدد قواعدها الجوية في ميناء "اللاذقية" وذلك من أجل ترسيخ مكانتها أكثر من أي وقت مضى في تلك المناطق وفي هذه القاعدة الجوية الجديدة، حيث ستعمل روسيا على زيادة عدد جنودها فيها وبالتالي، فإن الروس سيعززون من مكانتهم في هذه المنطقة، ما يعني أن "موسكو" ستُتاح لها فرص جديدة لتعزيز موقفها أمام واشنطن.
وفيما يتعلق بالعلاقات بين طهران وموسكو، فإنه ينبغي أيضاً أن نركّز على القضية السورية، فكل بلد يبحث عن مصالحه الخاصة وطهران وموسكو ليستا مستثناتين من هذه القاعدة ولهذا فإن إيران ستتعاون مع الدول الأخرى وفقاً لمصالحها الوطنية والمُثل العليا لثورتها الإسلامية.