الوقت- عقد وفد أمريكا في مجلس الأمن يوم أمس جلسة غير رسمية ادّعى فيها تقديم خطة بديلة لحل الأزمة الفلسطينية. وقال دبلوماسيون في الأمم المتحدة إن المسؤولين الأمريكيين تحدثوا في اجتماع مع أعضاء مجلس الأمن حول خطة جديدة لحل النزاعات الفلسطينية الإسرائيلية ودعوا مجلس الأمن إلى دعم هذه الخطة. ولقد مضى وقت طويل منذ إعلان ترامب عن خطته المعروفة بـ "صفقة القرن"، لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو ما إذا كان مسؤولو البيت الأبيض، بالنظر إلى ردود الفعل السلبية جداً من الخطة وتأثيرها المدمر على الموقف الأمريكي في المحادثات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لديهم خطة بديلة أو عرض آخر غير الذي قدّمه الرئيس الأمريكي في 6 ديسمبر / كانون الأول 2017؟
وذكرت مصادر دبلوماسية أن الاجتماع غير الرسمي الذي عقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، كان بحضور كل من جاريد كوشنير صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجيسون غرينبلات الممثل الخاص لمحادثات السلام في الشرق الأوسط كما حضر سفراء الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن.
خطة مبهمة وغير معروفة؟!
وقال دبلوماسيون في الاجتماع إن المسؤولين الأمريكيين حثوا أعضاء مجلس الأمن على دعم خطتهم "عندما يتعلق الأمر بإعلانها". وذكر بعض الحاضرين في الاجتماع أن الدبلوماسيين الأمريكيين قالوا إن سبب عدم الكشف عن تفاصيل الخطة محاولة ضمان لنجاحها. وعلى الرغم من أنه لم يتم نشر محاور الخطة، إلا أن طلب الممثلين الأمريكيين من أعضاء مجلس الأمن دعم هذه الخطة هو خطوة غير عادية، لم يحصل حتى الآن أي سابقة لأي عضو من أعضاء مجلس الأمن أن يطلب من أعضاء المجلس الآخرين تقديم الدعم لقرار لم يتم الإعلان عن محتوياته بعد.
إعلان الخطة الأمريكية مع إعلان موعد نقل السفارة من تل أبيب...
ما هو مهم في الاجتماع غير الرسمي للدبلوماسيين الأمريكيين في مجلس الأمن هو تزامن إعلان الخطة الأمريكية الجديدة مع إعلان تاريخ نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. فبعد يومين من إعلان الخطة الأمريكية حول القدس أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويترا في بيان أن السفارة الجديدة في فلسطين المحتلة ستفتح في 14 أيار / مايو في القدس. ومن المرجح أن تكشف تفاصيل الخطة الأمريكية المقترحة لاحقاً أو ربما في نفس الوقت مع بعض القضايا، بما في ذلك تنفيذ نقل السفارة إلى القدس. ووفقاً للدبلوماسيين الأمريكيين، فإنه يمكن تحويل الاحتجاجات المحتملة التي ستندلع في العالم الإسلامي ضد هذه الخطة إلى قضايا أخرى مثل نقل السفارة ليكتب لها النجاح.
خطة أمريكا أم خطة صهر ترامب....
إن الخطة التي عرضتها أمريكا في الجلسة غير الرسمية لمجلس الأمن حول فلسطين وقضية القدس، هي في الواقع، من تقديم وعرض جاريد كوشنر، صهر ترامب، الذي كان حاضراً في الاجتماع.
جاريد كوشنر هو رجل أعمال ومستثمر أمريكي يهودي أرثوذكسي ذو توجه صهيوني، متزوج من إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد تولى مسؤولية متابعة القضية الفلسطينية، والتقى أيضاً برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال عدة رحلات رسمية إلى فلسطين المحتلة.
ومع ذلك، صهر ترامب، وقبل أن يتولى متابعة القضية الفلسطينية، وحتى قبل أن يتزوج من ايفانكا عام 2009، لديه تاريخ طويل وحافل من العلاقات الواسعة مع الصهاينة. حيث ترتبط عائلة كوشنر ارتباطاً وثيقاً بالاتجاهات الأصولية الصهيونية، ووالده هو مؤسس كلية نيو جيرسي الأرثوذكسية الصهيونية الناطقة باللغة العبرية فقط إضافة إلى تأسيسه للثانوية العبرية في المدينة المذكورة، وفي الوقت نفسه تبرّع بالمال لعشرات الكنائس اليهودية والمؤسسات اليهودية في أمريكا وإسرائيل. حتى إن كوشنر الأب قدّم الدعم المالي لنتنياهو وقادة حزب الليكود خلال الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية ما عرّضه للمساءلة من قبل الشرطة الفدرالية الأمريكية وسبق بأن قام بإهداء 11.5 فداناً لمستشفى شار زيديك الإسرائيلي، فضلاً عن تقديم تبرعات للمستوطنات الإسرائيلية. كما أن كوشنر الابن هو عضو في إدارة صندوق، يقدّم مساعدات مالية لمؤسسات ومنظمات يهودية دينية في المستوطنات اليهودية المقامة في الضفة الغربية، وضمنها مدرسة "عود يوسيف حاي" المقامة في مستوطنة "يتسهار" المتاخمة لنابلس، والتي أفتى مديرها، الحاخام إسحاق شابيرا، بجواز أن يقتل اليهود الأطفال الرضع من العرب. ومن هنا أصبح واضحاً أن صهر ترامب ذو أصول صهيونية بامتياز كما أنه مقرب من اليمين الإسرائيلي.
وينكر الصهاينة الأرثوذكس، التي ينتمي إليها كوشنر ونتنياهو أيضاً، وجود الفلسطينيين في الأرض التاريخية الفلسطينية وحقهم في الإقامة فيها، فمن الطبيعي ألّا تحترم خطة صهر ترامب في أي ظرف من الظروف الحدّ الأدنى لحقوق الشعب الفلسطيني.
وبالنظر إلى العلاقات الواسعة لصهر ترامب وعائلته مع حزب الليكود اليميني وبالأخص نتنياهو، فهل يمكن للمرء وللحكام العرب أن يتوقعوا تقديم كوشنير خطة لحل الأزمة الفلسطينية يحترم فيها حقوق الجانب الفلسطيني بشكل كامل؟
السعي الأمريكي للعودة إلى الساحة الفلسطينية
ويمكن القول انه من اهم الاسباب التي دفعت ترامب نحو التخطيط لخطة جديدة في المسالة الفلسطينية هو رفض جميع الاطراف الفلسطينية بما فيهم حركة فتح (المقربة من أمريكا) للوساطة الامريكية بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي الواقع، ليس فقط الفلسطينيين، ولكن ايضاً لاعبين إقليميين آخرين مثل تركيا يعتقدون أن امريكا لم تعد قادرة على التوسط والقيام بدور ايجابي في الصراع الفلسطيني. ويمكن الاستنتاج ان الخطة الامريكية الجديدة تهدف الى إعادة أمريكا مجدداً الى مسرح أهم وأطول قضية في الشرق الأوسط.