الوقت- في مرحلة أقل ما يقال عنها "ضبابية" تمكنت القوى الغربية وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية من أن يمهدوا الطريق لتأسيس كيان يرعى مصالحهم ويضمن لهم امتصاص دماء الشعوب وإثارة الفتن لأطول فترة ممكنة، حيث استغلت هذه القوى هشاشة العرب في تلك المرحلة التاريخية وسعى اليهود إلى إيجاد وطن يجمعهم بعد ان نبذهم الغرب عقب الحرب العالمية الثانية.
ولكي يتم تأسيس دولة يهودية لابد من إيجاد أساسات مشتركة لتتمكن هذه الدولة من البقاء والاستمرار، الأساس الأول كان موجودا بشكل طبيعي والذي تمثل في "الدين" الذي تم استغلاله لتوحيد صفوف اليهود القادمون إلى فلسطين من خلال رموز معينة موجودة أو تم إيجادها لخدمة الصمود والاستمرار على مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، ولكن الدين لم يكن كافيا لأن المسلمين والمسيحيين في فلسطين لم يكن لديهم أي عداوة أو رفض لليهود من الناحية الدينية، لذلك كان لابد من إيجاد أمر آخر يكمل الوسيلة الأولى لذلك تم العمل على إيجاد عدو مشترك وتمت إخافة اليهود القادمين من هذا العدو لكي يلتفوا حول بعضهم البعض، وبناءا على ذلك كان لابد من إنشاء جيش قوي لحماية هؤلاء الناس من أي خطر يتعرضون له، وبالتالي مطالبة الغرب بالتمويل المالي والعسكري وتحقق ذلك بالفعل.
ووفقا لما ذكرناه في الأعلى تمكن الصهاينة من إنشاء كيان تحت اسم "إسرائيل" حمل استراتيجية مثلثية الشكل تمثل بـ" استغلال الدين، إيجاد عدو مشترك والحصول على دعم الغرب"، ولكن بعد مرور 70 عاما على إنشاء هذا الكيان أصبح من الصعب الاستمرار بنفس الاستراتيجية لأن المشتركات بين الصهاينة بدأت تتآكل من الداخل قبل أن يدمرها الخارج، ولم تعد الأسس المشتركة التي بناها المؤسسون لهذا الكيان قادرة على جمع الشعب في بوتقة واحدة، فنحن اليوم أمام تغيير استراتيجي كبير في المنطقة لا يخدم ولا بأي شكل "بقاء إسرائيل" وبالتالي ليس مستغربا أن نجد زوايا هذا المثلث تتآكل وترسم ثلاث مستقيمات منفصلة تشير للصهاينة إلى الأماكن التي آتو منها وترشدهم إلى أين يجب ان يعودون.
وإذا تساءلنا عن الأسباب الحقيقية وراء اقتراب زوال "إسرائيل" لابد أن نأخذ بعين الاعتبار الأسباب السابقة الذكر وسنضيف إليها أقوال وشاهدات لمسؤولين صهاينة وأمريكيين ونختمها بكلام لمن قد يكونون السبب الحقيقي وراء زوال هذا الكيان الغاصب.
آراء الصهاينة والغربيين
يشعر الصهاينة بأنهم بدأوا يتلاشون من الداخل وقد عبر عن ذلك رئيس جهاز الموساد السابق "مائير داغان" في تصريح له قبل ست سنوات كانت قد اخذته عنه صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية في نيسان 2012، حيث قال حينها: "اعتقد بان نظامنا وصل الى نقطة بدت فيه الحكومة غير قادرة على ادارة البلاد" مضيفا في المقابلة ذاتها "نحن على شفا هاوية ولا اريد ان ابالغ واقول كارثة ولكننا نواجه تكهنات سيئة لما سيحدث في المستقبل".
وخلال نفس العام رسم الشاعر الإسرائيلي المعروف ناتان زاخ، صورة قاتمة لواقع ومستقبل إسرائيل، مشيرا إلى "تأكل الهوية المشتركة وتحولها إلى حطام ستحتاج إعادة جمعه إلى مئات السنين الأمر الذي يضع علامات سؤال كبيرة حول مستقبل هذه الدولة"، ويقول زاخ في مقابلة مع صحيفة "معاريف- 31/12/2011: "إن هذا الشيء الذي يدعى إسرائيل، شعب تجمع من دول مختلفة، أصحاب لغات مختلفة، ثقافات مختلفة وقيم وعادات مختلفة لا يمكن توحيدها تحت ضغط عدو خارجي".
حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قد صرح في احدى المرات أن "التغيرات الإستراتيجية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وخاصة التغييرات السياسية في مصر والعراق تهدد إسرائيل وتضاعف المخاطر عليها".
هذا الكلام ترجمه ثعلب السياسة الأمريكية اليهودي هنري كيسنجر، الذي صرح قبل ست سنوات لصحيفة "نيويوك تايمز" أنه "خلال عشر سنوات ستزول اسرائيل من الوجود"، نحن نعلم بأن كيسنجر لا يرغب بأن يحدث ذلك فهو أكبر الداعمين للمشروع الصهيوني وهو أكثر شخص ساهم في إنشائه ولكن الواقع تغير اليوم ولم يعد بوسع الغرب وأمريكا تحمل أعباء النفقات السنوية على "إسرائيل" التي تحتاج إلى تريليونات اضافية من الدولارات لكي تبقى حية "حية تعني أيضا "أفعى سامة" باللغة العربية"، وللتأكيد يقول تقرير المخابرات الأمريكية أن امريكا لم تعد تملك الموارد العسكرية والمادية لاستمرار دعم اسرائيل ضد مشاعر أكثر من مليار شخص من جيرانها. ولكن يمكن تطبيع العلاقة مع 57 دولة اسلامية يقترح تقرير المخابرات الامريكية أن على امريكا أن تراعي مصالحها القومية وتمتنع عن استمرار دعم إسرائيل.
لا يمكن أن ننكر بأن القادة الإسرائيليين استطاعوا إغواء بعض الدول العربية وجرهم إلى حفرة التطبيع معهم، ولكن في الوقت نفسه المناخ العام في الشارع العربي لا يزال يعادي "إسرائيل" ويعتبرها عدوا غاصبا، وبعد ان رأت الشعوب أن حكومتها عاجزة عن مواجهة العدو أو لا تريد ذلك خوفا من واشنطن وغيرها، لم يكن أمام هذه الشعوب سوى تشكيل حركات مقاومة شلت المخططات الصهيونية شئنا أم ابينا واستطاعت أن تعيدها إلى نقطة الصفر بعد سبعين عام من السعي للبقاء والاستمرار، حيث تمكنت حركات المقاومة هذه في كل من لبنان وفلسطين من توجيه ضربات موجعة للعدو الصهيوني ابتداءا من انتصار المقاومة الإسلامية في العام 2000 وليس انتهاءا بالنصر الكبير في عام 2006، ليتبع هذه الانتصارات اسقاط المشروع الصهيوني في شل حركات المقاومة انطلاقا من تدمير النظام الداعم لها في سوريا، لتجد نفسها بعد 7 سنوات من دعم الإرهاب في سوريا وتمويل الإرهابيين أم حقيقة أنها عاجزة عن ردع سوريا وجيشها مهما كانت الأوضاع وترجم هذا الأمر باسقاط طائرة "اف 16" إسرائيلية، وفي هذا الاطار قال السيد حسن نصر الله قبل أيام "نحن خرجنا او نكاد نخرج من أقسى حرب عالمية على المقاومة ومحور المقاومة".
في الختام؛ ربما لم نتكلم عن آراء محور المقاومة في موضوع "زوال إسرائيل" نختصر ذلك بجملة قالها قائد الثورة الإسلامية الإيرانية، سماحة السید "على خامنئي"، "إسرائيل إلى زوال خلال 25 عاما القادمة".