الوقت- يبقى الحنين الى ذكريات عالم الطفولة يراود المرء مهما كبر وتغيرت به الأحوال، كيفما كان لون تلك الخواطر ومحطاتها بحلوها ومرها، فأنها لصيقة بذات الانسان تلاعب حاضره بلمسات من حين لآخر.
مع أن الاقدار شائت ان تستظل المنطقة جملة من الحروب والاحتلالات وكل الصراعات العالمية، وزادت سخونتها مطلع القرن العشرين، بعد اكتشاف الثروة النفطية، التي لم تجلب سوى الخراب، ومزيد من المخططات، على يد البريطانيين والامريكيين والفرنسيين، فضلا عن سابقه "الاحتلال العثماني" ، رغم كل هذه المآسي الا أن أبناء تلك الحقبة من الأجداد يسحرون بذكريات طفولتهم، رغم انهم عانوا ما عانوا من ويلات النكبة وحسرات النكسة، وشهدوا الحروب العربية مع الكيان الصهيوني. الا أن تلك الأيام تسمى "بالزمن الجميل" هكذا يبدو، فطوفان السنوات يزيح المرارة ولا يبقى منها سوى عذوبة الماضي في سحر الذكريات.
السؤال الذي يشغلني .. هل ستنسى أجيال اليوم ماضيها، كاجيال الامس ؟!
هل فكرنا بعمق بتفاصيل عيش المخيمات التي تخرًج لنا جيلا بالملايين .؟
ألسنا بحاجة لأن نفكر بهم ولو بين حين لآخر ؟!
كيف يستيقظ طفل المخيمات صباحا.. كيف ينام.. وكيف يقضي وقته ما بين شروق الشمس ومغيبها .؟
ماذا نتوقع من أطفال النازحين بعد عقد أو عقدين من الزمن، جيل ولد غريبا في بلده، يتلقى الصدقات تحت مسمى المساعدات على تراب البلد الذي ينتمي اليه، وهو لا يعرف حتى سبب وجوده في تلك المخيمات .. ولا سبب فقره .. ولا يدرك ما يجري خارج تلك الاسلاك الشائكة اللعينة، ولعل البعض منهم غير متأكد من وجود حياة خارج تلك الاسلاك أصلا.!
ماذا تتوقعون من طفل مخيمات النازحين أن يخطط لمستقبله ويخط القادم لنفسه، وهو جائع. حين يكبر ذلك الطفل سوف لن يتذكر سوى دمعة أمه وحسرات أبيه وخيمة وكرفان وهياكل مدمرة قضى طفولته فيها يكابد اللوعة في كل شيء، فمنهم من يسكن المخيمات منذ أربع سنوات ولا بصيص أمل واقعي يعيد له التفائل بعودته الى عيش نظيف تصان فيه كرامة الانسان.
نعم .. انه قمة الضياع في زمن التكنلوجيا والتحضر والعصرنة وحوار الحضارات الذي يواكب كوكبنا من كل حدب وصوب وأينما نلتفت، نتقدم ونقفز قفزات كبيرة مع كل رمشة عين، رغم ذلك هناك ما يزال من أبناء جلدتنا من يعيش حياة ما قبل قرون، مفارقات عجيبة في زمن التقنية الحديثة.!
امتلئت صحاري دول المنطقة بمخيمات فلسطينية وسورية وعراقية، على خلفية حروب مصطنعة خاضعة لشهوات أناس يسكنون خلف البحار، أختاروا لنا مصير الدمار ..فكان.!
منذ عشرات السنين والفلسطيني في المخيمات، التحق السوري والعراقي به، ويبدو ان حبل النازحين على الجرار كما يقال.
أصدرت منظمة الأمم المتحدة لشؤون الطفولة اليونسيف تقريرا يقول ان النزاعات تحرم 25 مليون طفلا وشابا تتراوح أعمارهم بين 6-15 عاما، من فرص الوصول الى التعليم، وتشير الى أن 20% من التلاميذ في سن المرحلة الابتدائية لا يمكنهم التوجه الى المدارس بشكل عام في مناطق النزاع في اثنين وعشرين دولة حول العالم، كل الأطفال في مناطق الصراعات المسلحة في مختلف مناطق العالم يعانون من أزمات عدة تهدد مستقبلهم وتنذر بخطر قد يطال جيلا بأكمله، وتسبب في أضرار ثقافية أوسع أثرا على المستوى البعيد، لاسيما الانقطاع عن التعليم.
واذا ما لم يتلق هذا الجيل تعليمه المناسب فأنه على أعتاب حلقة مفرقة من العمالة غير العادلة والفقر، كما سيكونون عرضة للأنتهاكات الجسدية والفكرية، ومنها تتخرج الجماعات المتشددة والتكفيرية والمعادية للإنسان .!
صحيح أن المخيمات تشكل بؤر "فقر وقهر" الا أنها شكلت للفلسطينيين أنفسهم بؤر ثورة وتمرد على الواقع، وأصبحت نماذج لعزة الانسان الفلسطيني وكرامته، وحرصه على هويته ورفضه للتوطين وتطلعه لحلم العودة، ولذلك فأن المخيمات الفلسطينية حاضنة أساسية للثورة الفلسطينية وروح المقاومة المتجددة في هذا الشعب، وكان أبناء المخيمات من أكثر المبادرين وأسرعهم في المشاركة في مجالات العمل الوطني وخصوصا المقاومة المسلحة.
السؤال الأهم .. هل ستنتج مخيماتنا جيلا يثمن الوطن ويقدر ثرواته بوعي؟ هل نقف على أعتاب مرحلة يقودها جيل يدرك ما يحاك ضد بلاده والانسان في وطنه ؟ هل سيتمكن من تغيير المعادلات والموازين القائمة يخطوا على نهج الدماء التي سالت من أجل تحرير ارضه وعرضه .؟!