الوقت- دأب الكيان الصهيوني على البحث عن طرق مختلفة للخروج من عزلته الإقليمية والدولية التي نجمت عن عدم الاعتراف به رسمياً باعتباره كياناً غاصباً وتسبب بمآسي كثيرة للشعب الفلسطيني وباقي شعوب الشرق الأوسط وبزعزعة الأمن والاستقرار في عموم المنطقة.
ومن هذه الطرق محاولة إقامة وتطبيع العلاقات مع العديد من الدول ومن بينها جمهورية أذربيجان بهدف تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية.
فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق في مطلع تسعينيات القرن الماضي سارعت "إسرائيل" لمد جسور مع العواصم التي استقلت عن موسكو ومن بينها باكو بهدف التغلغل في منطقتي القوقاز وآسيا الوسطى.
ومن العوامل التي جذبت كيان الاحتلال لإقامة علاقات مع أذربيجان هي النسبة العالية للسكّان المسلمين في هذا البلد، حيث تسعى تل أبيب للتأثير على مجريات الأحداث هناك بهدف حرف أذهان الرأي العام عن الجرائم البشعة التي يرتكبها هذا الكيان ضد الشعب الفلسطيني والإيحاء بأنه لايعادي المسلمين، وذلك من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، فضلاً عن هدفه الرئيسي المتمثل بمحاربة الجمهورية الإسلامية في إيران الداعم الأساسي لمحور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في عموم المنطقة.
وبما أن جمهورية أذربيجان هي من الدول المجاورة لإيران وتربطها معها أواصر تاريخية وثقافية ودينية سعت تل أبيب لتوظيف إمكاناتها لاختراق المنظومات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية لهذا البلد، مستفيدة من الظروف التي تحكمه وتحكم عموم منطقتي القوقاز وآسيا الوسطى في شتى المجالات.
ومن العوامل الأخرى التي جذبت إسرائيل لتقوية علاقاتها مع أذربيجان الموارد الطبيعية الغنية التي يتمتع بها هذا البلد لاسيّما في مجال الطاقة، حيث تسعى تل أبيب لسد احتياجاتها من النفط والغاز عن هذا الطريق.
ويعتبر المخزون الهائل من النفط والغاز والفحم واليورانيوم والذهب والفضة وباقي المعادن الإستراتيجية، أكثر ما يميز آسيا الوسطى والقوقاز، ويسبب في تدافع قوى العالم عليها، وصراعهم على النفوذ فيها، بمن فيهم الكيان الصهيوني، إذ أن كازاخستان تمتلك ربع احتياط العالم من اليورانيوم، وتمتلك تركمنستان رابع احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، وتعد أوزبكستان ثالث أكبر منتج للقطن في العالم، وتمتلك رابع أكبر احتياطي عالمي من الذهب، وعاشر احتياطي عالمي من النحاس، إضافة للكميات الضخمة من النفط والغاز في بحر قزوين.
ولعل الغاز والنفط والمعادن المشعة، هي أكثر ما يسيل لعاب الإسرائيليين، ويحركهم بقوة تجاه هذه المنطقة، ويدفعهم للتفكير في كيفية اختراقها والتأثير عليها، والاستفادة منها، وحرمان الآخرين من فرصة الحصول عليها، ومن أسواقها المفتوحة، وقدرتها غير المحدودة على الاستيعاب.
وهنا لابدّ من الإشارة إلى أن الكيان الإسرائيلي يبذل كل ما لديه من إمكانات للحيلولة دون تعزيز العلاقات بين إيران وروسيا وأذربيجان في شتى المجالات خصوصاً في مجال الطاقة لعلمه بأن ذلك سيضاعف نفوذ إيران ويعزز قوتها في غرب آسيا والقوقاز وآسيا الوسطى، الأمر الذي تخشاه تل أبيب التي تسعى لزعزعة أمن إيران وإشغالها بمشاكل جانبية لتشتيت قواها عن نصرة الشعب الفلسطيني ودعمه لاستعادة حقوقه المشروعة في الأرض والوطن والدفاع عن المقدسات وفي مقدمتها القدس الشريف.
وخلال السنوات الأخيرة سعت تل أبيب لتطوير علاقاتها مع أذربيجان في مختلف الميادين، الأمر الذي أثار قلق روسيا التي تنظر لهذه العلاقات على أنها تمثل تهديداً لأمنها القومي على المدى البعيد لعلمها بأن إسرائيل لايمكن أن تتغلغل في منطقة ما دون أن تبث سمومها وتنشر عملاءها عبر شبكات التجسس التي توجدها في إطار مساعيها الرامية إلى تكريس نفوذها وتحقيق مصالحها على كافة الأصعدة الأمنية والسياسية والتجارية.
ومن الطبيعي القول بأن موسكو تنظر بحذر شديد لمحاولات تل أبيب بيع أسلحة ومعدات عسكرية للدول المحاذية لروسيا ومن بينها أذربيجان وأرمينيا خصوصاً في ظل التوتر الذي تشهده المنطقة منذ سنوات بسبب الأزمة في أوكرانيا والنزاع في قره باغ.
وقام الكيان الصهيوني بتوقيع صفقات سلاح مع أذربيجان، وعقد اتفاقيات بشأن مشروع مشترك لصنع طائرات من دون طيار، والتزود بوسائل اتصال، وتطوير بعض الأسلحة، وتدريب طيارين في سلاح الجو الآذري.
كما عمل الكيان الإسرائيلي خصوصاً والحركة الصهيونية العالمية على وجه العموم لتكريس وجودهم في القوقاز وآسيا الوسطى من خلال دعم الجاليات اليهودية. وأحد أبرز وجوه هذا الدعم هو الدعم الثقافي والترويج للأفكار التي تتماشى مع أهداف هذا الكيان السياسية والاقتصادية والأمنية في هذه المنطقة.
هذه المعطيات وغيرها تشير إلى أن تل أبيب بصدد توسيع نفوذها في القوقاز وآسيا الوسطى، الأمر الذي يتطلب من روسيا وإيران تعزيز تحالفهما الاستراتيجي في شتى الميادين، لأن التغلغل الإسرائيلي خصوصاً الأمني في المنطقة سيخلق الكثير من المشاكل، وهذا يعد بحد ذاته هدفاً استراتيجيا لكيان الاحتلال لاعتقاده بأن التحالف الروسي - الإيراني ومحور المقاومة هو الذي تمكن من هزيمة الجماعات الإرهابية المرتبطة بهذا الكيان وفي مقدمتها "داعش" في سوريا والعراق وعموم المنطقة.
كما تعتقد تل أبيب بأن تحالف (موسكو - طهران - المقاومة) من شأنه أن يمهد الأرضية لتعزيز موقف سوريا الرافض لوجود الكيان الصهيوني والساعي لاستعادة الأراضي المحتلة خصوصاً هضبة الجولان التي استولى عليها هذا الكيان عام 1967.
أخيراً تنبغي الإشارة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" يراوده ومنذ زمن طويل حلم السيطرة على مقدرات بعض دول آسيا الوسطى التي تمثل بالنسبة لتل أبيب حلقة وصل لمهاجمة إيران كونها تشكل هاجساً حقيقياً لكيان الاحتلال وتهدد مستقبله وتعرض وجوده غير المشروع للخطر.