الوقت- تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس، بغالبية كبيرة قرارا يرفض اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. وأيدت 128 دولة مشروع القرار، مقابل اعتراض 9 دول وامتناع 35 دولة عن التصويت. في وقت توجّه رئيس السلطة الفلسطينية إلى الرياض في زيارة وصفت بالطارئة، ووضعت عليها علامات استفهام عديدة. للوقوف عند دلالات القرار وتبعاته، ووضع النقاط على الحروف حول زيارة عباس، كان لموقع الوقت الإخباري اتصالا هاتفيا مع رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد المتقاعد الدكتور هشام جابر، جاء في تفاصيله:
الوقت: ما تعليقكم على قرار الجمعية العامة للأمم المتّحدة مساء الخميس الرافض للقرار الأمريكي حول القدس الشريف، وما آفاق ذلك برأيكم؟
العميد هشام جابر: "في البداية أعتقد أن الرئيس الأمريكي لن يتراجع عن قراره باعتبار القدس الشريف عاصمة لإسرائيل، أما لوجستيّا أعتقد أنه سيتمهّل بنقل السفارة لأسباب عديدة، ولن يستطيع نقلها، لما لذلك من صدمة كبيرة وتحدّ للعالم بأسره، وللدوّل التي تعتبر أن القدس هي حقّ، وتحترم قرارات الأمم المتحدة، في مواقفها. وإن الرئيس الأمريكي المقبل سيعمل على إلغاء القرار في بداية عهده. أما الدول التي صوتت ضد قرار الولايات المتحدة كانت فعلا دليل عافية في هذا العالم رغم الضغط الأمريكي، وإعلان الرئيس الأمريكي وقف المساعدات عن الدول التي وقفت في وجه قراره.
وتابع جابر: "لنرى من وقف مع هذا القرار. بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، هناك تسعة دول، سبعة منها لم يسمع بها أحد، دويلات صغيرة وجزر أعطيت حق الدول، والعضوية في الجمعية العمومية للأمم المتّحدة. ثانيا، الدول الأوروبية التي تعتبر حليفة للولايات المتّحدة، خصوصا بريطانيا وفرنسا، كانت ضد قرار نقل السفارة. رغم أن رئيسة الحكومة البريطانية كان لها مواقف تقريبا متوافقة أو متعاطفة مع الحكومة الإسرائيلية. برأيي إن القدس باستمرار هذا الضغط، أولا الدولي والدبلوماسي، وهذا القرار المخالف الذي اتخذه الرئيس الأمريكي، المخالف لكل قرارات الولايات المتّحدة. يجب التذكير هنا أن قرارات الأمم المتّحدة المتعلّقة بالقدس وعددها يفوق السبعة، أمريكا نفسها كانت قد وافقت عليها، ولم تستخدم حق الفيتو، بخلاف عشرات القرارات التي استخدمت فيها الولايات المتّحدة أو الإدارات الأمريكية المختلفة حق الفيتو، لذلك يظهر الحق واضحا. باختصار، خمسة وثمانين بالمئة من العالم ضد هذا القرار، وبالتالي لن يمرّ. ومع الأسف كانت الدول العربية متخاذلة إلى حد كبير اتجاه هذا القرار الخطير الذي يضرب القضية الفلسطينية برمّتها."
وأضاف: "برأيي إذا بقي هذا التخاذل العربي موجودا أو متآمرا أو غافلا أومتناسيا ستصبح قضية القدس من الماضي، وسنبحث غدا عن مستقبل الضفة الغربية برمّتها. إن إسرائيل تخطّط لكي تجد موطنا للفلسطينيين في مكان آخر، وتقوم بعمليات تطهير عرقي في الضفة الغربية، على أمل أن تسيطر على فلسطين المحتلّة، وعلى الضفة الغربية بأسرها، يعني غدا سنتحدّث عن نابلس ورام الله، وتبقى قضية القدس من الماضي، هذا سیکون إذا بقينا في هذا التخاذل. أما إذا تعاطى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بوعي، وبقيت الدول الإسلامية الغير عربية والداعمة للقضية الفلسطينية،على رأسها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي كان موقفها مشرفا أكثر بكثير من الدول العربية بهذا الموضوع، قضية العرب الكبرى، قضية فلسطين، بإمكاننا تغيير المعادلات."
الوقت: تحدّث رئيس المجلس السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، حول معلومات عن توجّه واشنطن لإعلان يهوديّة القدس، وحتى شطب حق العودة، ودعى أيضا لوقف اتفاقية أوسلو، وتفجير الإنتفاضة من جديد، مما يدل أن الأمريكي سيتّخذ خطوة للأمام في ظل المخالفة الدولية، كيف ترون ذلك؟
العميد جابر: "هذا يتفق مع ما قلته، نحن اليوم نتحدّث عن القدس، وغدا سنتحدّث عن الضفة الغربية برمّتها، نعم إذا استمرّت الدول العربية كما هي بمواقفها اليوم، لن يحصل تطوّر دراماتيكي في العلاقة مع أمريكا. یجب إلغاء اتفاق أوسلو وتجميد العلاقة مع الولايات المتحّدة الأمريكية والدول التي قامت بالإعتراف بإسرائيل والدول التي لديها علاقات غير علنية مع إسرائيل و هذه الدول يجب أن توقف التطبيع وتطرد السفير الإسرائيلي أيضا. إذا لم يحصل ذلك ستسعى أمريكا لدعم إسرائيل إلى ضم تلك المستوطنات التي زرعت، هناك 600 ألف إسرائيلي زرعوا في الضفة الغربية، ومصيرهم برأيي هو أن يكونوا تحت سلطة الدولة الفلسطينية، لكن اسرائيل لن تقبل بذلك إطلاقا. إلغاء اتفاقية أوسلو اليوم قبل الغد والسعي إلى وقف الإستيطان وطرد المستوطنين قبل أن يتمّ طرد العرب الفلسطينيين من الضفة الغربية ضروري جدا. وربما إنشاء دولة في الأردن وهذا قلناه أكثر من مرة بعد دفع المملكة العربية السعودية، إلى الإنغماس في المستنقع اليمني، ربما هناك مخطط كبير لتقسيم المنطقة وتقسيم السعودية ونقل هذه الدول، وإعطاء الأردن وطنا بديلا بعد أن فشلت محاولاتهم بإقامة وطن قومي بديل للفلسطينيين في سيناء."
وأردف قائلا: "كل هذه الخيارات مطروحة، نحن اليوم على مفترق خطير جدا، وانا أوافق ما جاء على لسان حماس. هناك شعر عربي يقول: رب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه. نحن يا عزيزي نبكي اليوم على القدس، وغدا يأتي دور أريحا ورام الله وكل مدن الضفة الغربية، وربما سنبكي على هذا اليوم الذي نبكي منه اليوم."
الوقت: ما سبب ضعف تحرّك بعض الدول العربية اتجاه هذه المسألة الحسّاسة؟
العميد جابر: "الدول العربية مرتبطة بكل وضوح بالولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما رأيناه في السنوات الخمس الماضية. هناك أنظمة تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية إزالتها عندما تقرّر ذلك، وخلال شهور. هذه الأنظمة تعرف أنها لن تبقى إذا غضبت عليها أمريكا، وهي لذلك مضطرّة إلى اللحاق بالرّكب الأمريكي وإرضاء واشنطن بمختلف الوسائل. وهذا ما رأيناه مؤخرا، علنا وفاضحا، أثناء زيارة الرئيس الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية، وما حصل عليه من مكاسب مالية وسياسية، وارتباطا لا حدود له بما تأمره واشنطن، والكل يعلم اليوم أن الرئيس الأمريكي يعاني من مشاكل داخلية لا تعد ولا تحصى، وهو يسعى إلى تحصيل تأييد لنفسه من اللوبي الصهيوني المسيطر على مفاصل الدولة الأمريكية، وهو أحد القوى التي تحكم أمريكا."
وتابع رئيس مركز الشرق الأوسط: "هذا الرجل هو رجل أعمال، رجل ذكي وليس غبيّا، يسعى إلى تأمين مستقبله، ربما بولاية جديدة أو على الأقل عدم إحالته إلى المحاكمة أو إجباره على الإستقالة وترك منصبه، هذا واضح تماما، وهو يستعين بالدول العربية الخاضعة له، ويعطي إسرائيل ما تريد."
الوقت: حول زيارة محمود عباس إلى الرياض، التي لم تطلق موقفا معاديا تجاه قرار ترامب بل اكتفت بالتحفظ، ولم تدینه، ما أسباب هذه الزيارة في هذا التوقيت؟ هل تريد السعودية الضغط عليه لتغيير موقفه اتجاه القرار؟
العميد جابر: "الرئيس الفلسطيني يدرك جيّدا النفوذ الذي يمكن أن تمارسه المملكة العربية السعودية، سياسيا وماليّا، وهناك مثل فرنسي يقول: من يعطي يأمر. والرئيس عباس الذي انتهت ولايته ولا بديل حالي له على رأس السلطة الفلسطينية. يدرك حاليا أن بقاءه، سواء من الناحية الماليّة اللوجستيّة، او من الناحية السياسية مرتبط بالسعودية، بالتالي لا أستغرب أن يثني عليها رغم موقفها الذي ذكرته."