الوقت- "صمتت دهرا ونطقت كفرا" هذا هو حال الولايات المتحدة الأمريكية التي أخفت نواياه تجاه القدس 22 عاما أي "منذ العام 1995 عندما مرر الكونغرس قانونا يدعو إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس"، وبعد هذا التخفي المتعمد من قبل واشنطن أطل علينا الوجه الإعلامي لأمريكا ورئيسها الحالي دونالد ترامب ليفجر قنبلة نأمل ألا تخرج عن كونها صوتية، كاشفا الوجه الحقيقي لبلاده.
ترامب لا يتوانى أبدا عن ممارسة هواياته في زعزعة استقرار العالم وكأنه يلتذذ بتعذيب الشعوب فشراهته للشر لا توصف، وما قاله الأمس خير دليل على ذلك، ولكن لماذا الآن كشرت واشنطن عن أنيابها؟!، هل أخذت ضمانتها من أغلب الزعماء العرب؟!، أم أنه التوقيت الأفضل لإعلان القدس عاصمة لـ "اسرائيل" كون الشرق الأوسط تستعر فيه نار الحروب والأزمات وعاجز عن إبداء أي رفض؟!، وأين العرب من قبلتهم ومن أي زاوية أصبحوا ينظرون إلى هذه القبلة؟!.
لن نتحدث عن القوانين الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة "التي تعد هذه الإجراءات باطلة قانونياً"، لأن الحق الفلسطيني أخذ بالقوة وعلى ما يبدو لن يسترد إلا بالقوة، فالسلام لايوجد له مرادف في القاموس الأمريكي ولا الصهيوني وعندما تحدثهم عن هذا الأمر لايعلمون عن ماذا تتحدث، يظنوك من كوكب آخر لذلك لايجدون طريقا للحل سوى عن طريق الاعتداء والنهب وإحداث الفتن وتضييق الخناق على أي مبادرة سلام واليوم بات واضحا لنا ماذا تتضمن "صفقة القرن" لأن عنوانها يكشف فحواها، فالتاجر ترامب عنونها "صفقة" وهذا ما يتناسب مع آلية تفكيره ورؤيته للعالم فهو يرى العالم أرقام ودولارات.
ولا نعتقد بأن ترامب قدم هذه الهدية للإسرائيليين دون مقابل ومن هنا يمكننا تقسيم قرار ترامب الجديد القديم إلى ثلاثة أسباب يمكن من خلالها فهم ما يجول في خاطره:
أولاً: أسباب أمريكية وربما شخصية
من خلال إعلان القدس عاصمة لإسرائيل يمكن لترامب الاستفادة من دعم اللوبي الصهيوني في الانتخابات القادمة، كيف لا وهو يعلم جيدا كيف الطريق إلى إنجاح صفقاته، ولذلك أعلن ترامب هذا الأمر ليبعد الأنظار عن موضوع حل الدولتين وإلهاء الدول بموضوع نقل السفارة ومن يراقب جيدا لقاءات ترامب مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أو بزعماء آخرين في الشرق الأوسط، يجد الرئيس الامريكي لم يأتِ ولا مرة واحدة على ذكر "حل الدولتين"، فضلا عن ذلك نجد أن ترامب يحاول الإيحاء بأنه مومن بالقضية الاسرائيلية ولايدخر أي جهد في سبيل تحقيق المصالح الصهيونية ولو على حساب المصالح الامريكية.
ثانياً: أسباب داخلية
فرض ضغوط أكثر على الفصائل الفلسطينية للرضوخ إلى مطالب الكيان الاسرائيلي ومن ضمنها الاعتراف بالكيان الاسرائيلي والتطبيع معه، وهناك أخبار تقول بأن ترامب قبل الاعلان عن هذا القرار اتصل بمحمود عباس، وهذا يعني أنه كان يريد أن يستخدم هذه الورقة لفرض ضغوط أكثر على الفصائل الفلسطينية، وبالتالي يعمل ترامب على تقوية اسرائيل على حساب الفلسطينيين لتضييق الخناق عليهم للفوز بالشروط المناسبة، في تلك الحالة تصبح عملية نقل السفارة بالتزامن مع الاتجاه نحو قطع معونات الأمم المتحدة للفلسطينيين وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، طريقة للضغط بقوة على الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ثالثاً: أسباب اقليمية
يريد ترامب من خلال إعلانه التجاري الجديد الضغط على الدول العربية للتسريع في عملية التطبيع مع اسرائيل؛ واستكمال بناء المستوطنات في القدس الشرقية حيث يحتاج المسؤولين الصهاينة الى احتلال كامل المدينة دون أي حدوث أية عواقب ترافق إنهائهم للقضية الفلسطينية، ولكن في حال حدث ذلك سيكون ترامب قد هدد اثنين من أكبر الديانات التوحديدة في العالم "الإسلام والمسيحية" من إضفاء طابع يهودي على المدينة وعدم احترام الديانات الاخرى وقد يشعل هذا حروبا أهلية عالمية لن تكون أمريكا بمنأى عنها.
كلمة للعرب "المعتدلين"
ألا يستحق هذا القرار اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية أم أن صاروخ أنصار الله أصبح يهدد مستقبل الأمة أكثر من الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل فليقفل باب الجامعة العربية وليتحول إلى متحف حفظا لماء الوجه العربي وكرامة للبقية المتبقية ممن ترتعد أبدانهم لما يجري لأقدس مدن التاريخ ومنارتها، وإذا بقيتم صامتين ستطفئ منارتكم وحينها دعوا واشنطن ترشدكم للطريق الجديد.
ألم يحن الوقت ليعلم هؤلاء "المعتدلين" أن أمريكا تطعن جميع حلفاءها وتجعلهم ينزفون والأحقر من ذلك أن هؤلاء الحلفاء يطلبون الترياق من أمريكا نفسها ويلهثون وراء رضاها، لماذا؟!، ألم نتعلم الدرس بعد؟!!
يوما ما سيلعن التاريخ هذه الحرية المشؤومة التي تصدرها أمريكا إلى العالم، وستسقط ورقة التوت الأخيرة عن كل المتخاذلين مع المشروع الصهيو_أمريكي وحينها لن يكون هناك ماء وجه لهؤلاء ليتم حفظه، وعلمتنا الأيام أن المقاومة الشعبية هي الحل وهي من يحفظ ماء الوجه ويسترد الكرامة ودروس المقاومة سيتم تعميمها بين الشعوب العربية لأنها أصدق من كل الاستنكارات والكلام المفرغ من أي محتوى وحينها فلتجمع اسرائيل شظايا الصواريخ، فالشعوب العربية لن تصمت إلى أبد الدهر، فالسلام آتٍ للقدس شاء من شاء وأبى من أبى.