الوقت- "...البقرة الحلوب" عبارة لا يمكن تجاهلها كلما أردنا فهم ذهنية الإدارة الأمريكية الجديدة اتجاه السعودية، ومن خلالها يمكننا الجزم بخطأ كل من يعتقد أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" سيكتفي يوماً بما قُدم له من مليارات أثناء زيارته الشهيرة للسعودية، فلاآداء إدارة ترامب ولا التسريبات اليومية توحي بذلك.
وفي تحليل ما آلت إليه العلاقات الأمريكية السعودية لا بُد أن نعرّج على زيارة رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق تركي الفيصل الأخيرة لأمريكا، فبعد لقائه التطبيعي مع مدير الموساد الأسبق "إفراييم هاليفي" في 22 أكتوبر بيومين، شارك في ندوة نظّمها "المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية" في واشنطن.
تحدث الفيصل في كلمته أثناء هذه الندوة عن ما سبق وذكره في لقائه مع هاليفي، إلّا أنه كحّل كلمته بخاتمة لا بد من الإشارة إليها، إذ توجه للأمريكيين قائلاً: "لطالما نصحتمونا بإصلاح مملكتنا وقد بدأنا فعل ذلك، اسمحوا لي اليوم أن أنصحكم، لماذا لا تصلحون نظامكم الانتخابي؟ إلى متى سوف يستمر المجمع الانتخابي عندكم في اختطاف أصوات مواطنيكم وتقرير من يصبح رئيساً؟"
هذا الكلام إن كان يوحي بشيء فهو يوحي إلى شرخ في العلاقة بين السعودية وترامب رغم مرور فترة وجيزة على توليه الرئاسة، ورغم الأموال الطائلة التي أخذها من السعودية. هذا الإختلاف بين الطرفين ظهر قبل بداية الإنتخابات حين بدا جلياً دعم السعوديين لهلاري كلنتون في الانتخابات الرئاسية. ورغم مجاراتهم لترامب إلاّ أنهم لا زالوا يخشون منه ولم يشعروا يوماً بالأمان جرّاء قراراته التي عبّر عنها بشكل صريح حين قال "على الرياض أن تدفع ثمن حمايتنا لها". يتوقع أن تظهر الأزمة بين الطرفين بشكل أوضح في الفترة القادمة خصوصاً وأن آداء ترامب ينبأ بذلك بشكل واضح.
فما سربته بعض الوكالات العالمية نقلاً المتحدث بإسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي عن طلب ترامب مقابلة روحاني وعقد لقاء مشترك على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن الطلب المقدم من الجانب الأمريكي لم يحظ بقبول الرئيس الإيراني حسن روحاني أشعر السعوديين بالخيانة وعدم الآمان، وبأن ترامب صادق فيما يقول بأنه يبيع مقابل السعر الأعلى.
دليل دامغ آخر على وجود تأزم هو الخطوة السعودية بالذهاب الى الشرق واستمالة روسيا، فتاريخياً حاولت السعودية اللعب على هذا الوتر الحسّاس بالنسبة لأمريكا فكلما أرادت إيصال رسالة إلى أمريكا ووجدت أن واشنطن غير متجاوبة شدوا الرحيل إلى موسكو، لتعمل واشنطن على وضع حلول ترضي السعودية فيقفلون الأبواب مجدداً في وجه الرياح الروسية، فالقط لا يحب العراك..
إلّا أن السعودية مخطئة في اعتقادها هذا، لأن نهج سلب المملكة دون تقديم مقابل بدأ قبل قدوم ترامب للرئاسة، فالأمريكيون رسموا سياسات ابتزاز المملكة عندما أقرّوا قانون جاستا، وتصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين حول حقوق الإنسان في السعودية وحول التجاوزات الإنسانية في اليمن والتي جعلت رئيس أركان القوات السعودية يعترف علناً وفي كلمة متلفزة بارتكابهم جرائم في عدوانهم على اليمن، وبوقاحة عرض تقديم تعويضات، استباقاً لأي تحقيق دولي لمعرفتهم بأن أمريكا ستلعب هذه الورقة لاحقاً، وهذا دليل على نية الابتزاز المسبقة.
الهرولة لإرضاء الأمريكي وتفادي الصدام لم تتوقف عند هذا الحد فحتى المشروع الحلم والأضخم في تاريخ السعودية والذي يتغنى به بن سلمان سيكرّس لهذه المسألة، فقد كشفت "جورسليم بوست" عن تخصيص مساحة واسعة من مشروع "نيوم" لمستثمرين صهاينة وهذا يصب في حملة التطبيع التي تنفذها السعودية إرضاءاً للأمريكي وللعب دور أكبر في المنطقة بالتوطئ مع الكيان الإسرائيلي.
من ناحية أخرى لم تعد ترى واشنطن في الرياض حليفاً قوياً يمكن أن يخدم تطلعاتها في المنطقة، ولا يمكن لأمريكا أن تخسر نفوذاً أكثر مما خسرته في الشرق الأوسط، خصوصاً في ظل التوسع الروسي الإيراني في المنطقة وتحقيقهم مكاسب لا يمكن إخفاؤها، هذا الكلام ليس شعارات تُردد إنما مخاوف حقيقية عبّر عنها مسؤولون أمريكيون في مناسبات عدة آخرها ما ذكره السيناتور الجمهوري المعروف "جون مكاين" في مقالة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً والتي عبّر فيها صراحة عن مخاوف أمريكية من تراجع نفوذهم في المنطقة مقابل توسع النفوذ الإيراني جرّاء تساقط حلفائهم، وتوسع في مقاله شارحاً الأزمة الكردية الأخيرة والنتائج التي خلصت إليها.
ومن الناحية العملية
1.تعتبر السعودية الحليف الثاني الأبرز لأمريكا بعد الكيان الإسرائيلي، في الوقت الذي تخسر فيه أمريكا نفوذها في هذا الشرق بسبب الإخفاقات السعودية، فمثلاً الأزمة القطرية السعودية والتي تسببت بها السعودية في وقت غير مناسب، وهو الوقت الحساس الذي تحتاج فيه أمريكا لوحدة حلفائها في المنطقة.
2.سرّعت السعودية في خسارة المحور الأمريكي السعودي في سوريا بسبب الإخفاق في التعاون مع القطريين في قيادة المعركة هناك، حتى أنها أجبرت أمريكا على القيام بخطوة مذلّة باللجوء إلى الروس ليدخلوا في مفاوضات عبر عمان والقاهرة، تمخضت عن إنشاء منطقتي تخفيف توتر في درعا والقنيطرة، والغوطة الشرقية. المنطقتين اللتين دقتا مسمارين في نعش عملية أستانا، وذلك لحماية مصالحهم من "التهديد الإيراني" في شرق سوريا.
3.السعودية تُظهر ضعفاً عسكرياً وإستراتيجياً في معالجة مشاكلها وهذا لا يخدم المصالح الأمريكية، وهنا نشير إلى الحرب المستمرة على اليمن منذ ثلاثة سنوات دون قدرة السعودية على تحقيق أي خروقات أو مكاسب تذكر لصلح الحلف الأمريكي.
أخيراً لا بد من الإشارة إلى أن أمريكا تتعامل مع الدول وفقاً لمصالحها في المنطقة، ولا تعير الأخلاق والروابط التاريخية أي اهتمام في بناء تحالفاتها. والتجربة خير دليل على ذلك، فالأمريكي يمكن أن يتخلى عن حلفائه بكل سهولة عند أول منعطف لا يخدم مصالحه الخاصة. فهل يستمر صبر ترامب وإدارته على السعودية؟ وإلى متى؟ والسؤال الأهم ما هو البديل في ظل تخبط الإسرائيلي بمشاكله المتراكمة وازدياد الضغوط الدولية عليه بسبب سياساته المتهورة في الداخل الفلسطيني وفي ظل تعاظم قدرات المقاومتين الفلسطينية واللبنانية؟.
بقلم محمد حسن قاسم