الوقت- يَذكر زلماي خليلزاد وهو دبلوماسي أمريكي سابق في مقالة كتبها لموقع "بوليتيكو" والتي تحدث فيها عن زيارته الأخيرة إلى السعودية أنه سمع إعترافات وهمسات غير مسبوقة من مسؤولين كبار في المملكة، ويفتتح مقاله بما أسمّاه الإعتراف: "لقد ضللناك".
ويشرح زلماي أن السعوديون قد صارحوه بأن دعمهم لما أسماه "التطرف الإسلامي" بدأ منذ ستينيات القرن العشرين، وذلك لمواجهة الناصرية وما تبع ذلك في حرب اليمن، وتباهوا بأن هذا التكتيك نجح معهم لإحتواء الناصرية. ويتابع أن القيادة السعودية بيّنت له أن إستمرار دعمها للتطرف جاء لمقاومة الإتحاد السوفياتي في أماكن في أفغانستان في الثمانينيات وذلك بالتعاون مع الأمريكيين، وهنا أيضاً تباهوا بنجاح إستراتيجتهم كذلك، ويتابع ناقلاً، السعوديون إعترفوا له بأن هذا التكتيك إستمر لمواجهة ما أسماه بالحركات الشيعية المدعومة من إيران وذلك في إطار المنافسة الجيوسياسية بين البلدين، ودائماً بحسب زلماي ونقلاً عن قادة سعوديين.
يستطرد زلماي أنه فهم من السعوديين أنهم أدركوا أخيراً أن التطرف بدأ يرتد عليهم ليُهدد المملكة لا بل الغرب أيضاً، وبأنهم خلقوا وحشاً لم يعد بالإمكان لجمه، وينقل عن مسؤول سعودي قوله: "كنا لا نستطيع الإعتراف بذلك خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر لأننا خفنا أن يعتبرونا عدواً أو أن يتخلوا عنا لذا كنا في حالة إنكار دائم."
فما الذي حصل اليوم لكي يعود بن سلمان عن مشروع العائلة الذي امتد لقرون؟ ما الذي حدث لتخرج كل هذه الصراحة والعلنية في الحديث عن التطرف داخل المملكة؟ إلى أي مدى يمكن أن يذهب بن سلمان في سياساته الجديدة؟ هل التخلي عن التطرف سيشمل الجميع؟ ماذا عن النصرة في سوريا؟ هل الهاجس الإقتصادي والرؤية التجديدية هذه ستجبر بن سلمان على الإنسلاخ عن ذاته وعن إرث عائلاتهم المتوارث منذ عشرات السنين؟
الأكيد الوحيد الذي يعرفه الجميع أن حكام السعودية دائماً ما يرّوجون بأن إيران هي عدوهم الأول أو التهديد الأول عليهم ويتهمونها بكل شيء تقريباً، ولكن ها هم اليوم يعترفون بأن التطرف بات التهديد الأول عليهم ويعترفون بأنه صنيعة أيديهم رغم إتهامهم إيران بذلك فيما سبق. أدركوا أخيراً أن عليهم أن يقوموا بثورة تحت مسمى التحديث والحداثة، وباتوا يتحججون بالإقتصاد والتواصل مع العالم لينزعوا ثوب الوهابية الذي لم يعد بإمكانه أن يكسو عيوبهم.
التحدي الأول أمام بن سلمان هو أن الرؤية التي يريد تنفيذها صعبة التحقق في ظل حكم العائلة، فإغراءات الماضي كبيرة والأسرة ليست متحدة خلف رؤيته الجديدة، فمئات الأمراء الذين إستفادوا ولا زالوا يستفيدون من النظام القديم سيحاولون عرقلة أجندة "إصلاح" بن سلمان، وهذا قد يودي بإستقرار العائلة والبلد إلى خبر كان. هذا ويأتي تحدي مواجهة المؤسسة الدينية واسعة الصلاحيات والتأثير في السعودية بالدرجة الثانية، فهي تعارض إفتتاح مراكز الترفيه وإصلاح النظم الدينية والتعليمية والتعليم المشترك ومشاركة النساء كقوى عاملة فاعلة.
الحداثة التي ينادي لها بن سلمان اليوم ليست الأولى من نوعها في السعودية، فهناك العديد من "برامج الإصلاح" التي تم الإعلان عنها من قبل في السعودية، إلا أنها تلاشت بمعظمها مع مرور الوقت. فلا يمكن للنقيضين أن يجتمعا لأن الحداثة ستقوّض "الشرعية" السياسية للأسرة الحاكمة، لأنها ستودي بركيزتيها الأساسيتين وهما: تأييد المؤسسة الدينية الوهابية والتقليدية التي تندرج تحت أي حكم ملكي.
وبما أن التحديث يخلق حالة من عدم اليقين الإقتصادي بالنسبة لأولئك الذين يستفيدون من النظام الحالي غير الفعال، فإن النتيجة يمكن أن تكون اضطرابات سياسية. وهو سؤال مفتوح حول ما إذا كان الشعب السعودي مستعداً بما فيه الكفاية على جميع المستويات ذات الصلة من حيث التعليم والمهارات للتنافس في الاقتصاد العالمي، كما يحتاج أي إقتصاد حديث. وإذا لم يحدث ذلك، فقد تنشأ توترات إجتماعية واضطرابات بين أولئك الذين ليسوا على إستعداد للتنافس.
وعلى الصعيد الإجتماعي لا يمكن أن تنفذ تطلعات بن سلمان على الفور كما قال، لأن المجتمع جُبل بالأفكار المتطرفة الراديكالية وبإيديولوجيا الإنعزال والتضييق، ومن الصعب إخراجه للحداثة والإنفتاح بين ليلة وضحاها، وأي ضغط في هذا الإتجاه قد يولّد حالة نفور وربما إضطرابات مجتمعية.
تحدٍ آخر يواجه التحول المطلوب هو الإعتراف بذاته، لأن إعتراف بن سلمان بدعم التطرف لـ 30 عاماً فقط بحسب إعترافه، سيحمّل السعودية تبعات ما سببه هذا التطرف في دول العالم، هنا نتحدث عن قوانين دولية قد تطال أي شيء في المملكة كقانون جاستا مثلاً.
يذكر أن البعض ذهب ليعتبر أن بن سلمان يريد تلميع صورته أمام الغرب للحصول على دعمه حين يتصدى للحكم، ولكن بن سلمان نفسه يبدو متناقضاً فيما يقول، فهو يريد إنهاء التطرف وهو لا زال يمد بعض الجماعات المتطرفة بسوريا بالدعم اللازم، ولا يزال يهشّم اليمن يومياً رغم الإعتراضات الدولية المتكررة على ما يحصل. فهل فعلاً بن سلمان يريد التغيير؟ أم أن ما يحصل مجرد مناورة سياسية لها أهداف ترتبط بتحولات المنطقة الأخيرة؟
إعداد- محمد حسن قاسم