الوقت- "تجميد نتائج عملية الاستفتاء التي أُجريت في كردستان العراق"، "وقف إطلاق النار فوراً، ووقف جميع العمليات العسكرية في إقليم كردستان" و "البدء بحوار مفتوح بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، على أساس الدستور العراقي"، على هذه النقاط الثلاثة التي أعلنت عنها حكومة اقليم كردستان، استفاق أبناء العراق والمهتمين بما يدور في رحى بلاد الرافدين من أحداث ووقائع بطلها رئيس اقليم كردستان المنتهية ولايته مسعود بارزاني الذي لا يدخر جهدا بالمطالبة بانفصال الاقليم واضعا أبناء شعبه في مكان لا يحسدون عليه، جراء تصرفات رئيسهم الذي يتهمه كثر بأنه مسبب رئيسي لما هو عليه الاقليم في الوقت الحالي من انقسامات سياسية وتهديد مستمر وحصار ووضع داخلي متأزم قد ينفجر في أي لحظة ولا أحد يعرف إلى أين تقود سياسة البارزاني الاقليم.
والخبر الذي أعلنته حكومة اقليم كردستان العراق لا يمكن أن نفصله عن سياسة البارزاني ومحاولاته الحثيثة لكسب نقاط جديدة ومحاولة إظهار نفسه بموقع القوة بعد أن بدأت بغداد تحرق أوراقه واحدة تلو الأخرى وتعري سياسته أمام أبناء الإقليم الذين بدأو يتلمسون نتائج سياسة البارزاني التي لم تجلب لهم أي منفعة لا على المستوى الاقتصادي ولا على المستوى السياسي ولا حتى الاجتماعي، وأكثر من ذلك حيث أصبح الإقليم معزولا من جميع الجهات، وهذا الأمر لوحده كفيل بتراجع شعبية البارزاني وتوجيه التهم له بأنه سبب هذه العزلة.
في احدى نقاط البيان جرى الحديث عن "تجميد نتائج الاستفتاء"، هذه العبارة من حيث الشكل هي إعلان انتصار لسياسة بغداد وسعيها المحق في الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية ورضوخ الاقليم لأمر واقعي ملموس، ولكن حقيقة تجميد الاستفتاء وأبعادها وماذا سيجري بعدها من إعادة تفعيل نتائج الاستفتاء القاضي بفصل الاقليم عن المركز، ليست بالخفية على حكومة بغداد، لذلك وجدناها تطالب بالحرف الواحد" لن يكون هناك أي حوار مع سلطات الاقليم اذا لم يتم الغاء الاستفتاء وليس تجميده".
هذا من ناحية الشكل من ناحية المضمون، لا نستبعد أن تكون هذه الخطوة هي استمرار لسياسة البارزاني في تكريس الانقسام ومحاولة امتصاص غضب بغداد وإقناعها بأمر قد يتغير بعد مدة ليست بالبعيدة، خاصة أن هذه الخطوة تأتي من حكومة غير شرعية بالمعنى الدستوري، وبالتالي كونها تتزامن مع تأجيل الانتخابات ممكن أن تطرح الحكومة المقبلة عدم شرعية هذا القرار كونه صادر عن حكومة غير شرعية، وبالتالي التأكيد لاحقاً أنه لا يمكن الغاء الاستفتاء.
وقف إطلاق النار وفتح حوار
هاتين النقطتين توضحان وبشكلٍ لا يدعو للشك بأن حكومة بغداد اليوم في موقع قوة على عكس ما يحاول البارزاني إظهاره، بل تظهران للجميع أن إصرار البارزاني على اجراء الاستفتاء حول استقلال الاقليم في 25 ايلول/سبتمبر، كان مغامرة خاسرة من جميع الجوانب ورغم كل التحذيرات والرفض الدولي والاقليمي أصر رئيس اقليم كردستان على الاستفتاء وكانت النتيجة حصار، عزل، استنكار عالمي، توتر مع بغداد وصراع داخلي وتبادل اتهامات داخل الاقليم.
واليوم البارزاني في موقع لا يحسده عليه أحد، يتلمس نتائج الإغواء الاسرائيلي والأمريكي بيديه، هذا من ناحية، من ناحية أخرى انتهت ولاية البارزاني الذي يعد اول رئيس للاقليم عام 2013، غير أنه تم تمديد فترته الرئاسية عامين جاءت بسبب هجمات تنظيم داعش الإرهابي الذي احتل مساحات من العراق عام 2014، ويوم الثلاثاء الماضي قرر برلمان كردستان تجميد مهام بارزاني الرئيسية لعدم قدرته على تمديد ولايته قانونيا، الامر الذي ينهي صلاحياته.
الخسارة الأهم أن البارزاني قضى على آخر الآمال المعقودة على الاستقلال عندما سيطرت قواته على المناطق المتنازع عليها بين اربيل وبغداد، خلال الفوضى التي عمت العراق في ظل هجمات داعش عام 2014، لأن ما فعله البارزاني كان انتهاكا صارخا للدستور العراقي، لذلك وبعد طرد فلول التنظيم الارهابي بدأت القوات العراقية بعملية عسكرية تحت اسم "إعادة فرض الأمن" لاستعادة المناطق التي كان قد سيطر عليها الاقليم وخاصة مدينة كركوك.
سيطرة الحكومة المركزية الآن على كركوك قضت على أحلام الإقليم بالاستقلال، خاصة أن هذا الأمر سينعكس بشكل كبير على اقتصاد الاقليم نظرا لما كانت تحتوي كركوك على حقول نفطية كانت تدر مبالغ كبيرة على الاقليم.
وعلى مايبدو أن الحكومة المركزية لن تتراجع حتى تتمكن من السيطرة على اقليم شمال العراق ومن ضمنها السيطرة على المطارات والمنافذ الحدودية وآبار النفط.
صراع داخلي
الوضع الداخلي للاقليم متأزم جدا وهناك صراعات وانقسامات في الشارع الكردي كبيرة جدا، وهذا الأمر في حال لم يتم ضبطه سيولد كارثة داخلية غير معروفة النتائج، فالوضع أشبه بقنبلة موقوته قد تنفجر في أي لحظة.
واليوم هناك توترات كبيرة بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، حتى أن الأخير يشهد انقسامات داخل صفوفه، من ناحية أخرى نجد حركات داخل الاقليم تطالب باستقالة البارزاني وتشكيل حكومة انقاذ وطني تجنب اقليم كردستان المزيد من الانقسامات والانتكاسات السياسية في ظل الأزمة الخانقة التي يعيشها، وأبرز هذه التيارات هي كتلة "التغيير" (غوران) والجماعة الاسلامية اللتان تشغلان 30 مقعدا من اصل 111 في برلمان الاقليم.
ختاما، هناك احتقان كبير في الشارع الكردي ورفض داخلي وخارجي لسياسة البارزاني الانفصالية، فهل سيتمكن البارزاني من الخروج من هذه الأزمة أم سيعقد المسألة أكثر وأكثر؟!.