الوقت- وقّع ترامب، في حزيران الماضي، أمرا مؤقتا لإبقاء السفارة الأمريكية في تل أبيب، برغم تعهده خلال حملته الإنتخابية بنقلها إلى القدس، و قال في مقابلة، في السابع من الشهر الحالي، أنه يريد أن يعطي فرصة لإحلال السلام بين "إسرائيل" والفلسطينيين، قبل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
وفى مقابلة مع حاكم ولاية اركنسو السابق، مايك هاكابي، فى برنامج "هاكابى"، على شبكة (تي.بي.إن)، أشار ترامب إلى أن إدارته تعمل على خطة لإحلال السلام بين الجانبين، مضيفًا أنه يريد إعطاء ذلك فرصة قبل التفكير في نقل السفارة إلى القدس.
وأكد حينها أنه إذا أمكنه تحقيق السلام بين الفلسطينيين و"إسرائيل"، فإن ذلك سيؤدي إلى إحلال السلام فى الشرق الأوسط فى نهاية المطاف، وهو الأمر الذى يجب أن يحدث على حد قوله، وبسؤاله عما إذا كان وضع إطارا زمنيا لنقل السفارة، قال ترامب، "سنقوم باتخاذ قرار فى المستقبل غير البعيد". السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا تراجع ترامب عن نقل السفارة إلى القدس؟؟
على الرغم من أن تل أبيب تُعدّ المركز السياسي لكيان الإحتلال إلا أن الصهاينة، من اليمين واليسار، ينظرون إلى القدس على أنها عاصمتهم ويسعون لضمّها إلى الأراضي المحتلة. ومع كلّ ذلك، تبقى فكرة نقل السفارة الأمريكية إلى هناك أمرا ليس بالسهل على الإدارة في واشنطن. وذلك للأسباب التالية:
التكاليف السياسية على الولايات المتحدة
يبدو أن فكرة نقل السفارة الأمريكية تشكّل معضلة لواشنطن، ففي أيام جورج بوش وأوباما، وعلى الرغم من إصرار اللوبي الصهيوني لإقناع الإدارة الأمريكية بذلك، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل. وبعد قدوم ترامب إلى السلطة تنفّس اليمين الصهيوني الصعداء ظنّا منه بأنه سيحقّق ما يرموا إليه، من نقل السفارة ومشاريع الإستيطان، خصوصا بعد الوعود التي أطلقها الأخير في حملته الإنتخابية.
في الواقع، إن مشروع نقل السفارة ليس بجديد، فقد أقرّه الكونغرس الأمريكي في العام 1995، إلا أنه لم ينفّذ نظرًا للتكاليف الدبلوماسية التي يحمّلها لواشنطن، وخوفا من ردة فعل حلفائها العرب. وقد شاهدنا كيف تصرّف رؤساء البيت الأبيض مع القرار في العشرين عاما الأخيرة، من كلينتون وصولا إلى أوباما، حيث قاموا بتأخير تنفيذه كل ستة أشهر، أما ترامب اليوم، فبدخوله في معمعة كهذه يكون قد بدأ مقامرة سياسية مجهولة النتائج.
معارضة الحلفاء المقرّبين من واشنطن
من ناحية أُخرى، لا شك من أن نقل السفارة، نظرا لحزازية الملفّ، سيلقى معارضة دولية. ففي الوقت الحالي، نرى أن التحركات الصهيونية الأخيرة شرقيّ القدس لقيت مخالفة المجتمع الدولي، وحتى دول الإتحاد الأوروبي، ويعتبر الجميع فكرة الإستيطان بعد العام 1967 في الأساس غير شرعية.
وبعد خمسة أشهر من تولّي ترامب لمهامه، سافرت لجنة من أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى الأراضي المحتلّة، لدراسة إمكانية تغيير مكان السفارة. لاقت الزيارة رفضا عارما، فمن جهتها أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي، فدريكا موغريني، أن الدول الأعضاء في الإتحاد لن تنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس. والدول العربية أيضا، بعد اجتماع جامعة الدول العربية في عمان، أعلنت رفضها نقل السفارات إلى القدس، وأعربت عن قلقها حيال ذلك.
بالتالي يبدو أن ترامب لقي رفضا وضغوطات من جهات عدة، دفعته للرجوع عن وعوده الإنتخابية في هذا الخصوص.
ردود فعل الفلسطينيین والمسلمين
ممّا لا شك فيه، إن اولايات المتحدة تخاف من ردود الفعل الفلسطينية والإسلامية الغاضبة التي تتبع خطوة كهذه، مما يؤدي إلى خسائر في المصالح الأمريكية في المنطقة. ومن جهتها حذرت السلطة الفلسطينية بعد تصريحات ترامب خلال حملته الإنتخابية أن أي خطوة تهدف إلى نقل السفارة الأمريكية إلى تل أبيب، ستقود الأمور إلى أزمة جديدة.
ومن الضروري الإلتفات إلى الشعار الذي أطلقه الفلسطينيون في فترة تولّي ترامب للرئاسة، "القدس هي مفتاح الحرب"، شعار كهذا يُظهر مدى التدهور في الأوضاع والأزمات التي سيحدثها ترامب لحليفته المقرّبة "إسرائيل" على خلفية هكذا قرار.
تهديد القوات العسكرية الأمريكية في المنطقة
إن أي خطوة كهذه ستولّد ردود أفعال غاضبة كما ذكرنا، ردود الأفعال هذه لن تقف عند حدود فلسطين، بل ستشمل العالم الإسلامي أجمع، ممّا يهدد القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة، كالمستقرّة في أفغانستان والعراق، والإعتراضات الباكستانية هي خير دليل على ذلك.
نقل السفارة سيضع الولايات المتّحدة في جمود دبلوماسيّ
إن مشروع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، سيجعل منها السفارة الوحيدة الموجودة هناك، بسبب معارضة الجميع لفكرة الإنتقال، مما سيشكّل عائقا أمامها في ممارسة مهامها مع سائر السفارات والأماكن الأخرى. ومجرّد فكرة كهذه ستقف في وجه المشروع الأمريكي، فالولايات المتّحدة، بعجرفتها ومكانتها بين دول العالم، لن ترضى بهذا.
بناءًا على ما تقدّم، صحيح أن وعود ترامب السابقة تقضي بنقل السفارة إلى القدس، إلا أن مشروعا كهذا يحشر الولايات المتحدة في الزاوية، وعلى الرغم من إدعاءاته بتحقيق ذلك في المستقبل الغير بعيد، نرى أن ترامب لن يرى ذلك حتى في أحلامه، في الفترة الحالية . وما يمكن قوله للرئيس الأمريكي: ترامب... إلى الوراء دُر.