الوقت - تصريحات قيادات أربيل تغيرت، وبدأت تبحث عن مخرجٍ من ورطتها، ووجدت دعوة المرجعية الرشيدة طوق النجاة، أو قشة الانقاذ الوحيدة لكردستان.
بصراحة تامة وشفافية عالية، ركز خطاب المرجعية على الوحدة أولا والعودة الى الدستور ثانيا وهذا يعني أن خطوات الاقليم خارج اطاره، وجاء في بيان المرجعیة ان الاجراءات هذه محاولة فرض الامر الواقع، أي انها تسعى لاقتناص الفرصة بالقوة على حساب الظرف الداخلي العراقي الراهن، والاكثر أهمية من كل هذا هو ما حمله البيان من تحذير بالخط العريض، عندما يقول بأن خطوات التقسيم والانفصال ستودي الى عواقب غير محمودة، بعبارة أخرى اذا لم يستجيب الكرد للعودة فكل الخيارات مطروحة.
يبدو ان أربيل لم تدرك من دعوة المرجعية سوى العودة الى الحوار، فسارعت الى الاعلان عن استعدادها له، أو ربما وجدتها خيرُ مخرجٍ للفرار من مستنقعها.
و يبدو أن مبادرة المرجعية وبالرغم من وضوحها وسلاسة تعبيرها ستكون كمواد الدستور العراقي والتي يفسرها كلٌ على هواه، فاذا ما تثمن الحكومة بنود المبادرة وأهميتها في الحفاظ على وحدة العراق وتركيزها على اتخاذ المحكمة الاتحادية مرجعا عند أي خلاف أو نزاع، يقرأها الكرد على أنها دعوةٌ الى التحاور من أجل تحديد حقوقهم في مرحلة ما بعد الاستفتاء.
بعد التصعيد والوعيد ولغة التهديد التي تلقتها أربيل من بغداد وعواصم اقليمية، بدت اليوم منشطرة منقسمة على نفسها، الاقوى منهم يقلّبُ أوراقه ليعيد حساباته وآخر بدت لهجة اللين والحنين تطغى في تصريحاته عندما بدأ يدعو الى تجميد نتائج الاستفتاء والشروع بالحوار، ونوابٌ عادوا الى بغداد رامين باللوم على مسعود وخطواته.
هذا يأتي على مرام قيادات بغداد لكنه لم يُقنع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حتى الان، الذي وضع خياراته جانبا مستجيبا لدعوة المرجعية، بيد أنه اشترط الغاء الاستفتاء جملة وتفصيلا، وعودة المناطق المتنازع عليها الى سلطة الحكومة المركزية.
بدأ المعارضون للاستفتاء مطالبة العبادي، بانتهاز فرصة تشظي المواقف الكردية الاخيرة، وفرض الارادة على الاقليم، انطلاقا من تحجيم دور البارزاني المهيمن على السلطة رغم انتهاء ولايته، وكشف الفساد الاداري والمالي، وتعرية علاقة "داعش" بالبيشمركه الذي وجدها ملاذا وما يزال، في كل جولة فرار من المناطق المحررة بأيدي القوات العراقية والحشد الشعبي.
أما تجميد نتائج الاستفتاء الذي بات يطرحه البعض من الكرد، فهي مساع يهدف الكرد منها الحصول على اعتراف عراقي به وتفعيله ينتظر إشعار آخر، برأي المعارضين.
في الوقت الذي تؤكد فيه كتل سياسية أن الحراك مستمر لتقريب وجهات النظر بين أربيل وبغداد، تتصاعد المخاوف من إخفاق جمع الأضداد على طاولة واحدة، وذلك انطلاقا من ترحيب كردستان بالحوار شرط التمسك بنتائج الاستفتاء، وعلى الجانب الاخر لم يغب التحذير عن ألسن قيادات التحالف الوطني، بأن مواقف بغداد ما تزال قيد الحد الادنى. هي محاولةٌ للقول بأن الطريق نحو التصعيد سالكا اذا ما أصرّ مسعود ومَن يحوم حوله.
رغم مساعي البارزاني على اظهار الاقليم صامدا متحديا للعالم برمته وللقاصي والداني منه، لكنه ليس كذلك، بعيون طهران وأنقرة المتحالفتين ازاءه في موقفٍ متوحدٍ بدءا بالسياسية مرورا بالاقتصاد ختاما بالعسكرة اذا ما فشلت محاولات بغداد.