الوقت- تفاقم التوتر والتشتت في إقليم كردستان العراق بعد إجراء الاستفتاء بشأن الانفصال الأسبوع الماضي والذي واجه اعتراضات شديدة من قبل الحكومة العراقية ودول الجوار ومعظم مكونات الشعب العراقي ومن بينها أحزاب وحركات كردية داخل الإقليم.
وقبيل إجراء الاستفتاء اصطفت بعض الأحزاب الكردية التي كانت معارضة للاستفتاء أو كانت تطالب بتأجيله إلى جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الإقليم المنتهية ولايته "مسعود بارزاني" والمتحمس للانفصال، ما أثار طائفة من التساؤلات بشأن المستقبل السياسي للإقليم في ظل هذه المتغيرات. ومن بين هذه التساؤلات: هل ستحافظ هذه الأحزاب على مواقفها من الاستفتاء، أم أن المصالح السياسية الوقتية هي التي حتّمت عليها اتخاذ مثل هذه المواقف؟
للإجابة عن التساؤلات لابدّ من الإشارة إلى جملة من الأمور يمكن تلخيصها بما يلي:
- أثبتت التجارب السابقة أن الخلافات السياسية في الإقليم إزاء الكثير من القضايا وصلت في فترات سابقة إلى حد القطيعة بسبب رفض العديد من الأحزاب لبقاء بارزاني في السلطة باعتبار أن مدته القانونية قد انتهت منذ فترة طويلة، بالإضافة إلى أن هذه الأحزاب تشعر بالتهميش والإقصاء وتتهم بارزاني بالهيمنة على مقدرات الإقليم.
- في حال عدم رجوع النوّاب الكرد إلى مقاعدهم في البرلمان العراقي، فمن المرجح جداً أن تزداد حالة التنافس السياسي في إقليم كردستان، وهو ما سيؤدي بالتالي إلى تفاقم الأوضاع في الإقليم في شتى المجالات. والأدلة على هذا الاحتمال كثيرة يمكن الإشارة إلى بعضها بما يلي:
الخلاف بشأن رئاسة الإقليم
تعد رئاسة الإقليم من المسائل المعقدة والتي ازدادت تعقيداً بعد إصرار بارزاني على التمسك بالسلطة. فالأحزاب الأخرى وفي مقدتها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة "جلال طالباني" وحركة التغيير "كوران" تطالب بتنحي بارزاني وإجراء انتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لتسمية الرئيس القادم للإقليم.
- يعتقد المراقبون بأن أحد أبرز الأهداف التي كان يسعى بارزاني لتحقيقها من وراء إجراء استفتاء "الانفصال" هو الحفاظ على موقعه في رئاسة الإقليم. وهذا الأمر قد أضعف موقفه السياسي إلى حد كبير خصوصاً لدى الأحزاب المعارضة لبقائه في السلطة باعتباره يكرس الاستفراد بإدارة شؤون الإقليم ويعرضه لمخاطر جمّة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، سواء في داخل الإقليم، أو في علاقته مع الحكومة المركزية في بغداد ومع دول الجوار لاسيّما إيران وتركيا.
- يعتقد بارزاني بأن رئاسة الإقليم هي جزء من التركة القبلية التي ورثها عن أبيه "الملا مصطفى بارزاني". وهذا الأمر ترفضه الأحزاب الكردية المعارضة، وتطالب بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر لاختيار رئيس جديد للإقليم.
- في حال تحقق انفصال كردستان سيفقد الأكراد بشكل طبيعي منصب رئيس جمهورية العراق الذي يشغله حالياً القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني "فؤاد معصوم" ومناصب مهمة أخرى. وهذا الأمر من شأنه أن يتسبب أيضاً برفع مستوى التوتر السياسي في كردستان بسبب التنافس الذي سيحصل على المناصب الحسّاسة والمهمة في الإقليم.
التنافس على المقاعد البرلمانية
من المقرر أن تجري الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم. ومن المتوقع أن يكون التنافس حادّاً بين الأحزاب الرئيسية في الإقليم (الديمقراطي، الاتحاد الوطني، كوران, الجماعة الإسلامية، الاتحاد الإسلامي) بالإضافة إلى تيارين آخرين؛ أحدهما برئاسة "برهم صالح" القيادي في الاتحاد الوطني والذي شغل في السابق منصب رئيس حكومة الإقليم، ويحمل هذا التيار اسم "تحالف العدالة والديمقراطية". والتيار الآخر برئاسة "شاسوار عبد الواحد" المعارض لاستفتاء الانفصال في الإقليم.
ومن الطبيعي أن التنافس الشديد بين هذه الأحزاب لكسب أكبر عدد من المقاعد في برلمان كردستان من شأنه أن يفاقم التوتر السياسي في الإقليم.
الخلافات بشأن الإيرادات والفوائد الاقتصادية
من المسائل الأخرى التي تشهد تنافساً حادّاً بين الحركات والأحزاب الكردية العراقية هي الخلافات بشأن تقسيم ثروات الإقليم والفوائد الاقتصادية التي يجنيها من تصدير النفط والمنافذ الحدودية مع الدول المجاورة، بالإضافة إلى ميزانية الإقليم التي تتراوح بين 17 و25 بالمئة من الميزانية المالية الإجمالية للعراق. ويُتهم حزب بارزاني بالهيمنة على مقدرات الإقليم الاقتصادية، ولهذا تطالب الأحزاب الأخرى باتخاذ إجراءات صارمة ووضع آلية جديدة لتقسيم تلك الثروات، ما يعني أن الإقليم سيتعرض لهزّات أخرى في حال لم يتم التوصل إلى تسوية لهذه المعضلة.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الإقليم يواجه مشكلة في دفع أجور الموظفين والشركات الأجنبية العاملة في الإقليم، وهذا الأمر من شأنه أيضاً أن يزيد من حدّة الأزمة المالية والاقتصادية في كردستان.
الخلافات التقليدية بين أربيل والسليمانية
من المعروف أن الحزبين الكرديين (الديمقراطي ومقره أربيل، والاتحاد الوطني ومقره السليمانية) شهدا خلافاً سياسياً وصل إلى حد النزاع المسلح بين عامي 1994 و1998 والذي أدى إلى مقتل وجرح الكثير من الجانبين، ويرجح المراقبون أن يثار هذا الخلاف من جديد في حال انفصال كردستان عن العراق بسبب التنافس التقليدي بين الحزبين لإدارة شؤون الإقليم. ويشبّه المتابعون هذه الأزمة بـ"نار تحت الرماد" يمكن أن تندلع في أي وقت بسبب الخلافات إزاء مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية.