الوقت - بدأ اليوم في إقليم كردستان العراق الاستفتاء بشأن انفصال الإقليم رغم الاعتراضات الإقليمية والدولية ورفض الحكومة العراقية والعديد من الأحزاب الكردية.
حول هذا الموضوع كتب "كاثي كولن" الباحث السياسي المتخصص في معهد "بروکینجز" الأمريكي مقالاً جاء فيه:
يثير الاستفتاء الجاري في كردستان العراق العديد من التساؤلات في مقدمتها؛ هل يفضي هذا الاستفتاء إلى الاستقلال، وما هي التداعيات التي ستترتب على ذلك في حال تحققه؟
قبل الإجابة عن هذه التساؤلات أشار كولن إلى التحديات التي واجهت الاستفتاء وفي مقدمتها رفض دول الجوار ومعظم مكونات الشعب العراقي لاسيّما في "المناطق المتنازع عليها" وفي مقدمتها محافظة كركوك الغنية بالنفط خصوصاً من قبل العرب والتركمان (سنّة وشيعة).
كما أشار هذا الباحث السياسي إلى التحدي الأمني الناجم عن وجود عصابات "داعش" الإرهابية في بعض مناطق كركوك لاسيّما الجنوبية وتحديداً في قضاء الحويجة، معتبراً إجراء الاستفتاء بشأن انفصال الإقليم بمثابة تجاهل لهذا الخطر، في وقت يؤكد فيه العراقيون على ضرورة دحر الجماعات الإرهابية واستعادة المناطق المحتلة من قبلها كأولوية ينبغي الاهتمام بها قبل الانشغال بأي أمر آخر.
ولفت كولن الانتباه إلى أن الدستور العراقي لايجيز الانفصال، ولهذا يعد الاستفتاء بهذا الشأن من قبل إقليم كردستان غير قانوني.
وتوقع هذا الباحث أن يفضي الاستفتاء إلى التصويت بنعم على الاستقلال نظراً للاستعدادات الكبيرة التي سبقته على جميع الأصعدة السياسية والإعلامية والاجتماعية خصوصاً من قبل رئيس الإقليم المنتهية ولايته وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني "مسعود بارزاني" والأحزاب والشخصيات الكردية المؤيدة له في الإقليم، إلاّ أن كولن لم يستبعد مع ذلك أن لايتم الإعلان عن استقلال الإقليم من قبل القيادة الكردية حتى وإن كانت نتيجة التصويت لصالح الانفصال خشية من التداعيات السلبية الكثيرة التي ستنجم عنه في حال تحققه.
وأشار كولن إلى أن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني وحركة التغيير "كوران" وغيرها من الأحزاب الكردية طالبت أمّا بإلغاء الاستفتاء بشأن استقلال الإقليم أو تأجيله على أقل تقدير، لاعتقادها بأن بارزاني يسعى لانفصال الإقليم وفق مقاساته وتصوراته دون الأخذ بنظر الاعتبار وجهات نظر الآخرين في هذا المجال، فضلاً عن الظروف الأمنية المعقدة التي يمر بها العراق في الوقت الحاضر والتداعيات السلبية للاستفتاء في حال تحقق الانفصال على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ورأى هذا الباحث السياسي أن من التحديات الأخرى التي ستواجه إقليم كردستان في حال انفصاله هي مسألة الاتفاق مع الحكومة المركزية في بغداد بشأن الاحتياطي النفطي والغازي الكبير الذي يقع في المناطق المتنازع عليها لاسيّما كركوك وكيفية حسم الخلافات القومية والعرقية بين مكونات هذه المناطق التي تضم أطياف متعددة (العرب والتركمان والأكراد والمسيحيين والآشوريين) وغيرهم من الطوائف.
كما أعرب كولن عن اعتقاده بأن القيادة الكردية وشخص مسعود بارزاني يسعون إلى كسب أوراق سياسية من أجل الضغط على الحكومة المركزية لتحقيق مكاسب اقتصادية من خلال التلويح بالانفصال، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن إقليم كردستان في حال انفصاله سيفقد ميزانية مالية ضخمة تتراوح بين 17 و25 بالمئة من الميزانية العامة للعراق. كما سيفقد الإقليم مناصب مهمة وحسّاسة في مقدمتها منصب رئيس الجمهورية الذي يشغله في الوقت الحاضر "فؤاد معصوم" القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني"اليكتي".
ونبّه هذا الباحث السياسي إلى أن البرلمان العراقي والمحكمة الاتحادية في هذا البلد قد رفضا إجراء الاستفتاء بشأن استقلال إقليم كردستان باعتباره يتعارض مع الدستور ويثير سلسلة من المشاكل مع الحكومة المركزية، منوّهاً كذلك إلى أن الإقليم سيواجه تحديات كبيرة أخرى في حال انفصاله في مقدمتها رفض دول الجوار لاسيّما إيران وتركيا الاعتراف رسمياً بالإقليم كدولة مستقلة بالإضافة إلى رفضها التعامل معه في كافّة المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية.
وألمح كولن إلى أن معظم دول العالم ومن بينها أمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي ترفض انفصال إقليم كردستان عن العراق في الوقت الحاضر على أقل تقدير لأسباب تتعلق بها في مقدمتها أن الانفصال سيحرج حلفاء الغرب ومن بينهم تركيا باعتبار أن الأخيرة ترفض الانفصال أيضاً كونه يشكل تهديداً أمنياً بالنسبة لها لوجود أقلية كردية في جنوب وجنوب شرق البلاد تسعى أيضاً للانفصال بقيادة "حزب العمال الكردستاني" المصنف كمنظمة إرهابية من قبل أنقرة وعواصم أخرى في حلف شمال الأطلسي "الناتو" وغيرها.
وفي ختام مقاله رأى كولن أن الحل الأمثل لأزمة كردستان العراق يتثمل بإلغاء الاستفتاء والتركيز على تحرير المناطق التابعة له من عصابات "داعش" والتنسيق التام مع الحكومة المركزية ودول الجوار لتسوية المشاكل العالقة سياسياً وأمنياً واقتصادياً.