الوقت- شكّلت أحداث 11 سبتمبر مرحلة جديدة في الصراع الدولي. لم يقتصر ثأر واشنطن على احتلال أفغانستان والعراق، بل شهدت المفاهيم الدوليّة، خصوصاً تلك التي تتعلّق بالإرهاب، تغيّرات جذرية لخّصها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن بعبارة "من ليس معنا فهو ضدنا".
كذلك، لم تنحصر ساحات المواجهة على جبهات ما بعد 11 أيلول/سبتمبر، بل طالت كافّة ساحات المواجهة السياسيّة والعسكرية والاقتصاديّة مع واشنطن، وحزب الله لم يكن عن هذا الأمر ببعيد، فبعد أن كان لسنوات إرهابيّاً في القاموس الإسرائيلي فقط، انتقلت عدوى الإرهاب هذه إلى واشنطن وبعض العواصم العربيّة.
تهم حزب الله
وعند متابعة التهم التي صُنّف حزب الله على أساسها إرهابياً، تجد أنّها تنحصر بين فكّي كمّاشة الأولى تتعلّق بمواجهة الحزب القائمة مع الكيان الإسرائيلي، والثانيّة تتعلّق بتدخّل الحزب في سوريا، حيث دفع "تورّط حزب الله في القتال بسوريا بعض الدول للمطالبة بتسريع اعتبار الحزب منظمة إرهابية"، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
وعند الدخول في تفاصيل الاتهامات يتّضح أنّها جوفاء من الناحية القانونية. فيما يتعلّق بالكيان الإسرائيلي، حرص حزب الله منذ وقف الأعمال الحربيّة في تمّوز 2006 على عدم انتهاك القرار الأممي رغم الانتهاكات اليوميّة الإسرائيلية. تعي واشنطن جيّداً أن القانون الدولي يميز بين المقاومة والإرهاب,وينص على تجريم الإرهاب ويعترف بشرعية المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، وتدرك أنّ الحزب لم يمارس الإرهاب الفردي حتى ضد العملاء عام 2000، فضلاً عن كونه لا يمارس إرهاب الدولة كسياسة رسمية، حتّى أن القرار الذي اتخذته الأمم المتحدة في كانون الأول عام 1972 ميّزت فيه بين الأعمال الإرهابية والنضال العادل للشعوب الذي تخوضه حركات المقاومة ضد الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والعنصرية. وفي حين انّ اتفاقية لاهاي عام 1907 تنظم عمل حركات المقاومة وتنص على أن يكون لها رئيس وشعار، وأن تحمل السلاح علنا وتتقيد بأعراف وقوانين الحرب، أعطى القرار الأممي رقم 3236 الصادر بتاريخ 1974 الشعب الفلسطيني الحق في استخدام كافة الوسائل لنيل حريته المتاحة بما فيها الكفاح المسلح، وهذا الامر يسري على الشعب اللبناني، وحزب الله، نظراً لوجود أراضي لبنانيّة محتلّة، ناهيك عن التهديدات التي تتعرّض لها الأراضي اللبنانية.
رغم أن القاسم المشترك بين حركات المقاومة الأوروبية و حركات المقاومة العربية هو الاحتلال, و الاحتلال هو ذروة الإرهاب، إلا أن الكيان الإسرائيلي يعمد من خلال الصاق تهمة الإرهاب هذه بالحزب والمقاومة الفلسطينية لكسر إرادة الشعبين الفلسطيني واللبناني، وتخليد الاحتلال.
حزب الله في سوريا
مع دخول الحزب في سوريا ارتفعت الأصوات المطالبة بوضع حزب الله على لائحة الإرهاب، رغم أنّ الحزب تدخّل بعد تخطّي الجماعات المسّلحة للحدود اللبنانيّة الشرقيّة وبطلب من الحكومة السوريّة، رغم سكوته على أشهر من التهديد والوعيد لهذه الجماعات.
وبالفعل، شكّل دور الحزب الفاعل في سوريا شمّاعة كبيرة في وضع الحزب على لائحة الإرهاب. بعض الدول العربية سارت في الفلك الأمريكي الإسرائيلي، بوضع الحزب على لائحة الإرهاب، إلا أنّ هناك دول عربيّة قد تبرّأت من هذا التصنيف "السياسي"، من ضمنها تونس والجزائر والعراق، في حين أبدى كيان الاحتلال على لسان عدد من مسؤوليه كلَّ الترحيب بالقرار الخليجي بتصنيف حزب الله منظمةً إرهابية.
لم تكن تهمة الإرهاب وليدة الصدفة أو لخطأ ارتكبه الحزب في سوريا، بل بسبب تدخّله إلى جانب الحكومة السوريّة، رغم تأثّر الحزب الديمغرافي بمفاعيل الأزمة السورية بخلاف واشنطن التي جاء من خلف المحيط. فإذا كان حزب الله الذي تركّزت معاركه الأساسيّة ضدّ تنظيمي داعش والنصرة، ومع مواجهات أخرى ضدّ بقيّة الجماعات المسلّحة في سوريا، إرهابياً، فعلى واشنطن وصم روسيا أيضاً بالإرهاب بسبب تدخّلها في سوريا بناء على طلب الحكومة، فضلاً عن نفسها بسبب تدخّلها دون أي إذن ما يعدّ انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة مستقلّة وفق القانون الدولي.
حزب الله لم يأسر مدنياً، لم يقتل أسيراً، بل راعى الشؤون الانسانيّة في كافّة الحروب التي خاضاها، ضدّ الإسرائيلي والتكفيري على حدّ سواء. ولعل البيئة الدينية لمقاتلي الحزب عزّزت رعايتهم لآداب الحرب التي تحدّث عنها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام " ..فلا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل، فإذا وصلتم إلى رحال القوم، فلا تهتكوا الستر".
يقف حزب الله حتّى أدقّ التفاصيل التي قد لا تراعيها أطراف عدّة، ففي حرب تمّوز تفاجأ الكثير من المهجّرين العائدين إلى بيوتهم برسائل مذّللة بأسماء عسكرية وأرقام هواتف تتضمّن حتّى حبّة العدس وقشّة الكبريت التي استخدمها مقاتلو الحزب من هذه المنازل إبان العدوان الإسرائيلي. في سوريا، لا يختلف الأمر كثيراً، قد لا يصدّق هذا الأمر كثير ممن وقعو
ا في فخّ الإعلام المعادي، إلا أن العودة إلى أصحاب البيوت التي سكنها حزب الله، سواء كانوا من المعارضة أو المؤيّدين للدول السورية
ستؤكد رعاية هؤلاء لأبسط المسائل، حتّى في قطف الثمار في البساتين التي لن يصل إليها أصحابها بسبب المواجهات القائمة!
يبدو جليّا أن تهمة "الإرهاب" بحقّ الحزب سياسيّة لا اكثر، والسبب في ذلك إفشال الحزب للمخططات الأمريكية في سوريا من ناحية، وخشية الكيان من الحزب الذي يشكل تهديدا وجوديا للدولة الاسرائيلية، ليكون الإرهاب الضّالة التي تبحث عنها واشنطن.