الوقت - شكّل الفراغ القائم في قيادة العالم الإسلامي نافذة عبور للأعداء. ولعل الخلافات القائمة بين أقطاب العالم الإسلامي سمحت للدول الغربية بالنفوذ أكثر عبر سياسة فرّق تسد التي عملت على اختلاق الفتن وتأجيج نيران النزاعات بين المسلمين، والبلدان الإسلامیة إلی جحیم من الخلافات وانعدام الأمن.
لكن نافذة العبور هذه تنحسر شيئاً فشيئاً مع التقارب التركي الإيراني. وفي حال نجاح الطرفين في استكمال هذا التقارب سنكون أمام واقع إقليمي وإسلامي مختلف يستطيع فيه الطرفان حل أزمات العالم الإسلامي دون أيّ تدخّل غربي. قد يستغرب البعض أن أحد أبرز نتائج هذا التقارب طوى صفحة سوداء عاشها العالم الإسلامي منذ الحربين العالميّة الاولى والثانية. وربّما تُطوى خلالها صفحة العام 1948 عبر إعادة الحقّ والأرض للشعب الفلسطيني المظلوم.
التدخّل الغربي في المنطقة يهدف لتحقيق مآربه بالتأكيد، وليس لشعوب المنطقة أي مصلحة في ذلك، وبالتالي لا بدّ من سياسة بديلة تعتمد على قوى إقليمية إسلاميّة تسدّ الفراغ القائم الأمر الذي أنتج نزعة تكفيرية لدى البعض، وإلحاديّة لدى البعض الآخر. ولعل التقارب الإيراني التركي سيمنع السياسات الأمريكية في اختلاق الفتن وتأجیج نیران النزاعات بین المسلمین،وتحویل البلدان الإسلامیة إلی جحیم من الخلافات.
لن يكون هذا التقارب بعيداً عن واجبنا الديني والعقلي، بل يأتي مصدقاً بارزاً لكتابه تعالى: "أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم"، وبالتالي لا بدّ من الإشارة إلى جملة من النقاط:
أوّلاً: إنّ تعزيز التعاون والتنسيق الإيراني التركي يعدّ اليوم حاجةً ملحّة في إطار حل قضايا ومشكلات المنطقة، كما أن الظروف الحساسة في المنطقة تستدعي من إيران وتركيا أن تتعاونا أكثر من السابق لتوفير أمن واستقرار المنطقة بما يصبّ في صالح شعوبها. فالتقارب بين طهران وأنقرة سيكون بمثابة تحالف اسلامي عابر للطوائف بين أكبر الدول الاقليمية، وسيسحب البساط من تحت تلك الأنظمة التي تسعى لزعامة العالم الإسلامي بتغذية النعرات الطائفية تارةً والعرقيّة أخرى.
ثانياً: إن هذا التقارب سيكون سدّاً منيعاً أمام محاولات تقسيم الدول الإسلامية وتفتيتها لفرق عرقيّة ومذهبيّة. فهناك اتجاه غربي لتفتيت الدول الإسلاميّة عرقيّاً ومذهبياً بعد انتكاسة المشروع التكفيري. ليس ذلك فحسب، بل بإمكان إيران وتركيا منع أيّ تهديد وظلم يتعرض له المسلمون في أي مكان في العالم، سواءً في ميانمار أو غيرها من دول العالم.
ثالثاً: فلسطين لا زالت تمثل عنوانا يجب ان يكون محورا لكل البلدان الاسلامية، ويجب التصدّي لمحاولات اضعاف مكانة القضية الفلسطينية، والتقارب الإيراني التركي أحد ابرز مصاديق التصدّي هذه. تعدّ القضيّة الفلسطينية أبرز المستفيدين من قيادة ايران وتركيا للعالم الإسلامي، وقد أشرنا في مقال سابق على هذه الزاوية إلى أسباب الخشية الإسرائيلية من هذا التقارب الذي يراه وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية السابق، المدير العام لـ"مركز يروشليم لدراسة الجمهور والدولة"، دوري غولد أنه يفضي إلى إحداث تحوّل سلبي على بيئة "إسرائيل" الإقليمية، أي أن التقارب الإيراني التركي سينعكس بشكل إيجابي على القضيّة الفلسطينية في الساحتين العربية والإسلاميّة، الأمر الذي قد يشكل عقبة كبيرة امام مشروع التطبيع القائم مع بعض الأنظمة. هذا التقارب سيحدّ من الطابع الطائفي والمذهبي الذي عمل الكيان الإسرائيلي على تكريسه. وهذا أيضاً ما يفسر الدعم الإسرائيلي لاستفتاء إقليم كردستان كونه قد يثير حرباً عرقية تخدم المصلحة الإسرائيليّة.
رابعاً: لا يعني كل هذا وجود رؤية متطابقة بين البلدين، وإن كان الأفضل ذلك، بل لا بدّ للطرفين من تحييد أي خلاف او اختلاف عن علاقاتهما الثنائية بما يخدم مصالح العالم الإسلامي. ولعل عدم انقطاع العلاقات بين البلدين رغم المقاربة المختلفة للأزمة السوريّة يؤكد وجود أرضية مناسبة للتعاون على كافّة الصعد.
تركيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية، بوصفهما قدرتين رئيسيتين في المنطقة والعالم الإسلامي، يمكن لهما أن تلعبا دورا قيما ومؤثرا جدا في حل مشاكل العالم الإسلامي، لاسيّما في ظلّ امتلاك كلا الطرفين لأسباب تاريخية وجيوسياسيّة وعلميّة وثقافيّة ضخمة. ويبدو أن التنسيق الإيراني التركي، الذي يعدّ ضرورياً ومهماً لحل القضايا الإقليمية، يجري على قدم وساق، وقد لمسنا نتائجه الإيجابيّة في سوريا والعراق. وهذا ما ننتظره في اليمن وفلسطين وكل الدول التي يتواجد فيها المسلمون.