الوقت- قد يعتقد البعض منا ان العنصرية تمارس فقط بالتعاطي اللامتساوي بين افراد المجتمع أكان بسبب العرق او اللون او غيرهما، لكن لم يتصور احد ان تنتقل وخاصة امريكا بالعنصرية الى تركيبات اللغة، اي تركيبات اصطلاحية تدخل في مفردات اللغة، ففي اللغة الإنجليزية كل مفهوم فيه كلمة (أسود) يعني إيحاءً سلبياًّ وسيئاً.
فعنصرية امريكا متلازمة مع تاريخها القائم على مآسٍ إنسانية منذ الاستيلاء على أراضي الهنود الحمر بالقوة، وقتلهم بأبشع صور صانعةً اكبر جرائم التاريخ، ثم بعد أن انتهوا منهم تحوّل الأمريكيون إلى أفريقيا للبحث عن عبيد يصلحون لهم أراضيهم، ويعدون سبل الحياة المرفهة لهم، وهي فترة من التاريخ لا يكاد يوجد أحد في العالم لا يعرفها، وهذا التاريخ مليء بالحوادث العنصرية، وغضب السود ضد عنصرية البيض، بعد عشرات العقود من العزل العنصري، وعشرة أعوام من النضال تحت قيادة مارتن لوثر كينغ.
فلا تزال بصمات التمييز العنصري حاضرة في الأحكام، كما تشهد تقارير منظمات حقوق الإنسان والعفو الدولية حتى اليوم، وعلى الرغم من أن الدستور الأمريكي يمنع التفرقة بين الناس على أساس اللون أو الجنس أو الدين أو غير ذلك، إلا أن العنصرية مغروسة في قلب معظم الأمريكيين البيض الذين يعتبرون السود درجة ثانية من البشر، او قد لا يعتبرونهم من البشر اصلا، فتعامل الشرطة مثلا مع السود يعد من اكبر جرائم الانسانية، مع الاخذ بعين الإعتبار ان نسبة الجرائم لدى السود اعلى من نسبة البيض وهذا مرده الى النظام المالي والاقتصادي حيث يتقاضى البيض 6 اضعاف ما يتقاضاه السود.
ان تعاطي الشرطة الامريكية مع السود على انهم مواطنين من درجة ثانية تترجم عمليات قتل للمواطنين بمجرد الاشتباه بهم. وهذا ما دفع العديد برفع الصوت عالياً، وما حصل في بالتيمور مؤخراً نسخة عن كل مدن امريكا، فقتل السود اصبح امرا عاديا لدى الشرطة ولو بمجرد الاشتباه بهم، كما شاهدنا في احداث بالتيمور وغيرها من الاحداث ذات الصلة كتبرئة رجال الشرطة كما حدث عندما حكم قاضٍ أمريكي على ضابط شرطة في كليفلاند، بانه غير مذنب في حادثة إطلاق رصاص، أفضت إلى وفاة رجل أسود وامرأة سوداء.
إن جذور العنصرية الأمريكية أو ما يعرف بـ «الفوقية البيضاء» تكمن في الاستغلال الاقتصادي عن طريق سرقة الموارد الاقتصادية، واستعباد العمالة، واحتلال الاراضي وهذا ما جعل اللاوعي في عقول الامريكيين يسوقهم الى اتخاذ العنصرية مبدأ يسيرون عليه ولهذا هناك احياء خاصة بالبيض ممنوع دخولها من قبل السود وتعد من افضل الاحياء الامريكية، على عكس احياء السود التي تتصف بعدم النظافة بسبب اهمال الدولة لها.
ولم تتوقف عنصرية البيض عند هذا الحد بل نادوا منذ زمن بضرورة إخراج السود من أمريكا لتجنب التلوث الذي تسببه تلك الشعوب السوداء ومازالت تلك الافكار تسيطر على المجتمع الأمريكي، ومازالت تحتفظ بعدوانيتها العنصرية، واليوم فإن المتتبع لما يجري في أمريكا يدرك أن عهد العبودية السوداء لم ينته بعد، وإنما أصبحت تأخذ أشكالاً جديدة مع احتفاظها بالمعايير نفسها.
لقد أعادت أحداث بالتيمور إلى الأذهان تاريخاً طويلاً من العنصرية الأمريكية تجاه السود، وسلسلة مشاهد العنف المفرط بحقهم، وهذا ما يؤكد زيف مزاعم أمريكا من كونها «مجتمع المساواة»، ففي كل مرة تنفجر فيها الكراهيات والأحقاد القديمة والحديثة في التناقضات العرقية الأمريكية، يتبلور أمام العالم أجمع أن المزاعم الأمريكية القائلة بأن «الجميع ولدوا متساوين»، لم تترسخ بعد، وغني عن البيان يمكن القول: إن المجتمع الأمريكي مازال يعاني ولم يتعاف من وباء العنف والتفرقة والتمييز والمكارثية رغم التطور المذهل الذي حققته أمريكا بعد الحربين العالميتين، والتساؤل المطروح هو: هل يرتبط ذلك بثقافة الإرهاب المتجذرة في آلية الدعاية الأمريكية الهائلة، أم يعود ذلك لطبيعة تكوّن المجتمع الأمريكي، وسيادة النزعة الفردية المتطرفة، وفق ما يراه المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، أم في المصالح الكبيرة؟