الوقت - لم تكن نتائج عملية عرسال وما خلَّفته من أثار محلية لبنانية، إلا إكمالاً لمسار محور المقاومة في تحقيق انجازاته الإقليمية. لكن الطابع اللبناني للعملية، وأثرها على لبنان، جاء ليستفز الكيان الإسرائيلي الذي بدأ يُحذر من نتائج العملية، وإغفال الطرف الأمريكي لأبعادها على الصعيد اللبناني. وهنا فإن توقيت العملية وما خرجت به من نتائج، لا يُعبر بآثاره فقط على المستوى المحلي، بل ينعكس على المستوى الإقليمي لا سيما في معادلات الصراع العربي الإسرائيلي. كما أن نتائج العملية، لم تُعبِّر فقط عن الإجماع حول العملية بقدر ما عبَّرت عن شرعية نشاط حزب الله المحلي والإقليمي. فكيف عبَّر الكيان الإسرائيلي عن خطر نتائج معركة عرسال على موازين القوى مع حزب الله؟ وما هي الدلالات المهمة لذلك محلياً وإقليمياً؟
الكيان الإسرائيلي يُعبِّر عن ضرورة الوقوف عند قوة حزب الله المحلية!
عبَّر الكيان الإسرائيلي عن سخطه من النتائج التي يُحققها حزب الله خلال الفترة الحالية لا سيما لبنانياً. فقد أشارت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، إلى أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبّر عن موقف واضح ضدّ حزب الله باعتباره تهديداً للكيان الإسرائيلي والمنطقة بسبب علاقته بإيران ومحور المقاومة. لكن يجب على الطرف الأمريكي بحسب الرأي الإسرائيلي أن يفهم دور الحزب وأثره في لبنان محلياً أيضاً.
وبحسب الرأي الإسرائيلي فإن خطر حزب الله يكمن في أنه شريك في الحكومة اللبنانية الحالية، ويقوم بكل نشاطه دون وجود أي حسيب أو رقيب. وهو ما أظره بحسب التعبير الإسرائيلي، نتائج عملياته في عرسال خلال الأيام الأخيرة والتي أظهرت تلاحم الجيش والمقاومة في التنسيق. وحذرت من خطر هذا التنسيق، وغياب الدور الأمريكي في منعه!
الدلالات والتحليل
عدة دلالات يمكن الوصول لها من خلال المعطيات الحالية، والتي تُشير للتالي:
أولاً: استطاعت عملية جرود عرسال أن تُثبت نظرية حزب الله الداخلية، والمعروفة بالقاعدة الذهبية: "الشعب والجيش والمقاومة". وهو ما أظهره حجم التكامل بين هذه الأطراف، حيث كان الجيش أساساً في العملية، كما كان الإحتضان الشعبي سبباً في نجاحها.
ثانياً: أكدت العملية أن الواقع الحالي رضخ للمبادئ التي انطلق منها محور المقاومة إقليمياً وحزب الله محلياً. حيث أثبتت النتائج مصداقية هذه المبادئ وقدرتها على الإستمرار. فقد أعادت عملية عرسال على الصعيد اللبناني - والتي لا تنفصل بأسبابها كما بنتائجها عن الواقع الإقليمي - التذكير بأن بوصلة الصراع ليست إلا ضد العدو الإسرائيلي والتكفيري ولن تكون ضد الداخل اللبناني.
ثالثاً: إن أكثر ما استفز الكيان الإسرائيلي هو قدرة حزب الله على تفعيل نقاط قوته، ليس فقط على الصعيد الإقليمي بل المحلي. حيث جاءت العملية لتكون جزءاً من منظومة القوة لحزب الله، والتي لقيت ترحيباً داخلياً ومواقف كانت شبه غائبة خلال الفترة السابقة. وهو ما يُعتبر خير مثال له، ما جاء على لسان النائب وليد جنبلاط الذي حيَّا أبطال الجيش وحزب الله في عمليتهم التي أعادت للبنان عزه.
رابعاً: أبطلت العملية كل محاولات إخراج حزب الله عن بيئته اللبنانية. بل رسخت العملية شرعية حزب الله على الصعد كافة، وهو ما جعل الطرف الإسرائيلي يطلب من أمريكا النظر بجدية لخطورة هذه المسألة وتهديدها للأمن القومي الإسرايلي، الأمر الذي يقتضي العمل على فك اللحمة بين حزب الله والجيش والشعب.
خامساً: أقفل الإنتصار الباب على حلفاء أمريكا في الداخل اللبناني والذين كانوا يسعون دوماً، لجعل السلاح فزَّاعة، حيث فشلوا في محاصرة هذا السلاح واضعافه وادخاله في زواريب السياسة اللبنانية وادخاله في المستنقع المذهبي. مما جعل من أهم نتائج عملية عرسال خروج هذا السلاح أقوى من أي زمان متفوقاً على كل محاولات إضعافه.
سادساً: باتت قوة لبنان تقتضي أن تُحصَّن الجبهة الداخلية، عبر الإستمرار في تفعيل العمل المشترك للجيش والشعب والمقاومة، لمواجهة كل التحديات وعلى الصعد كافة. وهو الأمر الذي له قراءة خاصة على صعيد موازين الصراع ليس فقط اللبناني الإسرائيلي بل العربي الإسرائيلي أيضاً.
لا شك أن الواقع اللبناني بات بعد عملية الجرود، أقوى أمام التحديات والمؤامرات التي تطال محور المقاومة والذي يُشكل حزب الله أحد أطرافه الأساسية. وهو الأمر الذي تلقَّفه الكيان الإسرائيلي بقلق. خصوصاً أن الإجماع الذي حظيت به العملية، لم يكن إجماعاً على العملية، بقدر كونه إجماعاً على شرعية حزب الله ونشاطه المحلي والإقليمي.