الوقت- إنه زمن الجنون، جنون مقترن بمجون مراهقين عاثوا في الأرض فسادا في بلادنا الإسلامية، مراهقين ملوك تصدق بهم الآية الكريمة "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون" وبالفعل كذلك فعل آل سعود فحل الحرب والدمار حيثما حلوا. والأمل اليوم بالحديث الشريف الذي يقول "المُلك يدوم مع الكفر ولا يدوم مع الظلم" فكيف بملك قائم على الكفر والظلم معاً!
في حفلة الجنون السعودي هذه لم تكن الأوضاع المصرية مؤاتية لتلعب "أم الدنيا" دورها المصيري والحاضن للعامل العربي، وقد ساعد آل سعود أنفسهم في الدفع بالمارد المصري للانزواء والاكتفاء بلعب دور المشاهد والمصفق أحيانا لآل سعود. ولهذا الأمر أسبابه وظروفه التي يجب أخذها بعين الاعتبار، انطلاقا من سياسة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك مرورا بالثورة التي أطاحت به وصولا إلى تسلم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي كرسي الرئاسة بعد مخاض استمر لسنوات، مخاض كان كفيل بانهاك المارد المصري وإدخاله في سبات بات من الضروري أن يصحوا منه.
ولكن ورغم كل شيئ تبقى مصر قبلة للعرب وحضارة ضاربة في التاريخ وواقع لا يمكن لبعض المارقين على هذه الأمة تجاوزه، ولذلك سعى آل سعود ومن خلال البترودولار أن يمسكوا بالقرار المصري ويجعلوا من مصر وشعبها رأس حربة مشروعهم التخريبي في العالم العربي والإسلامي. والسبب وراء إصرارهم على الإمساك بالورقة المصرية هو علمهم أن حجمهم وسطوتهم داخل العالم الإسلامي لا يمكن أن تكتمل دون أن تبارك مصر هذا الأمر.
قد يعتقد البعض أن السعودية نجحت في إخضاع مصر وباتت الأخيرة رهينة المساعدات الاقتصادية التي تُقدم لها، ولكن الواقع غير ذلك، فلا ننكر أن مصر ولأسباب اقتصادية تتماهى مع الموقف السعودي إلا أنها لا تزال تمانع أن تكون رأس حربة للمشروع السعودي المجنون، كما أنها ترفض أن تكون السعودية هي محور العالم الإسلامي السني ولهذا الرفض مؤشرات سنأتي على ذكرها.
فمصر في الملف السوري كانت واضحة أنها تقف ضد مشاريع التخريب وتدمير سوريا، لأنها تعلم أن تدمير سوريا يعني إضعاف مصر التي قد تكون الهدف المقبل لهذه المشاريع في المستقبل.
وفي خصوص المواقف المصرية من إيران وحرب اليمن، فالأمر يقتصر على مواقف إعلامية مدفوعة الثمن سلفا من قبل السعودية، ورأينا كيف أن مصر نأت بنفسها عن حرب اليمن رغم موقفها المؤيد للعدوان السعودي. طبعا شعبيا فالموقف مؤيد للشعب اليمني في وجه الطغيان السعودي.
موضوع جزيرتي "تيران وصنافير" حاول البعض تضخيمه أكثر من حجمه، صحيح أنه خطأ مصري استراتيجي إلا أنه ليس سوى صفقة تجارية مربحة قبض ثمنها النظام المصري، أخطأ النظام بحساباته ولكن لا يمكن اعتبار الأمر هو بيع كامل القرار المصري للسعودية.
أما موضوع الأزمة الخليجية بين السعودية وقطر ووقوف مصر إلى جانب السعودية، فالحقيقة أن هناك عداوة بالأصل بين النظام المصري والقطري على خلفية دعم الأخير لجماعة الأخوان المسلمين، والتجييش الإعلامي لقناة الجزيرة القطرية ضد النظام المصري وعلى رأسه عبد الفتاح السيسي. إذا هذا الأمر لا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتباره تبعية مصرية للسعودية، بل على العكس يؤكد أن مصر تسعى لاستغلال الأزمة السعودية القطرية لصالحها وتحقيق أهداف في المرمى القطري بتكلفة سعودية. ولكن، قد تكون القاهرة أمام فاتورة كبرى تتمثّل بطرد عمالتها من قطر بعد انتهاء المهلة المعطاة للدوحة بغية الموافقة على الشروط الخليجية، عندها سيدرك السيسي حجم الأزمة المصرية، التي قد تستغلّها كل من الإمارات والسعودية للإمساك بالسيسي من "رقبته" الاقتصاديّة.
الأكيد إذا أن مصر تنظر للسعودية على أنها مغارة علي بابا المليئة بالمال الذي يمكن أن ينهض بالاقتصاد، فتبيعها المواقف السياسية والإعلامية دون الخوض في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل وحروب لا قناعة للسيسي والمصريين بصحتها. ومن جهة أخرى تحاول مصر أيضا تحصيل مكاسب في بعض الملفات على حساب السعودية كما يحصل اليوم في الأزمة مع قطر. أما سعوديا فإنها ترى بمصر منصة قوية لرفع اسهم زعامتها للعالم الإسلامي السني وهو ما لا تريده مصر، كما أنها تسعى للزج بمصر في حفلة جنون يرفض المصريون أن يكونوا رأس حربتها لأن مصلحتهم في المعسكر المخالف حتما.
لقد اقتربت هذه اللعبة من نهايتها، والأسباب كثيرة فحفلة الجنون والمجون السعودية وصلت إلى مراحل تُنبأ بأن النهاية اقتربت، خاصة بعد تسلم محمد بن سلمان ولاية العهد بشكل رسمي وما سيفضي إليه هذا المراهق من قرارات والغرق أكثر في مستنقعات تتآكل القدرات السعودية بشكل متسارع ناهيك عن النقمة في داخل آل سعود على قرار سلمان.
الأمر الآخر هو أن الشعب المصري ضاق ذرعا بمواقف النظام المصري المتخاذلة، خاصة بعد تثبيت صفقة "تيران وصنافير" فصحيح أن السيسي يبيع السعودية كلاما إعلاميا فارغا ومواقف لا يمكن البناء عليها إلا أن الشعب المصري لم يعد يرضى بهذا الأمر، والنظام أيضا اقترب من قناعة تقول أن السعودية ذاهبة إلى الأسوأ وعلى مصر استعادة دورها بشكل عاجل وتصويب مسار المنطقة قبل أن تحترق بما فيها.