الوقت - شهدت العلاقة بين السعودية وحركة الاخوان المسلمين سلسلة من التذبذبات تراوحت بين التنسيق والتعاون تارة والقطيعة والمواجهة تارة أخرى.
وقبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع لابدّ من الإشارة إلى أن جزءاً من الأزمة القائمة بين قطر من جهة وكلاً من السعودية ومصر والإمارات والبحرين من جهة أخرى ترتبط إلى حد بعيد بطبيعة العلاقة بين "الاخوان المسلمين" مع كل من هذه الدول وأثرها على الدول الأخرى.
كما لابدّ من الإشارة إلى أن "الإسلام السياسي السنّي" قد تأثر بشكل كبير بالعلاقة بين الاخوان المسلمين والدول الآنفة الذكر بالإضافة إلى تركيا ودول أخرى في المنطقة وعموم العالم الإسلامي.
وأدى وجود الاخوان في السعودية إلى انبثاق حركة أو تيار آخر في داخل هذا البلد حمل اسم "السرورية" والذي يعتبر من الحركات المؤثرة جداً في بلورة "الإسلام السياسي السنّي" والذي يثير أيضاً قلق السلطات السعودية في الوقت الحاضر.
ومن أجل فهم هذا الموضوع بشكل أوضح لابدّ من الإشارة إلى المراحل التي مرّت بها العلاقة بين السعودية والاخوان طيلة العقود السبعة الماضية وحتى الآن.
المرحلة الأولى
بدأت هذه المرحلة في خمسينات القرن الماضي بعد اللقاء الذي جمع الملك السعودي الأسبق "عبد العزيز آل سعود" مع "سيد قطب" المنظر الفكري والعضو السابق في مكتب إرشاد جماعة الاخوان المسلمين، والذي مهد لهجرة مجموعة من الاخوان إلى السعودية ودول أخرى مجاورة رداً على المضايقات التي واجهتها الحركة في عهد الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر.
وشهدت هذه المرحلة نوعاً من التنسيق والتعاون بين الجانبين تمثلت بمشاركة الاخوان في عدد من المؤسسات التعليمية داخل السعودية.
المرحلة الثانية
تزامنت هذه المرحلة مع الاعتراضات التي أبدتها حركة الاخوان المسلمين ضد معاهدة "كامب ديفيد" بين الرئيس المصري الأسبق "أنور السادات" والكيان الإسرائيلي عام 1978، وكذلك الأحداث التي حصلت في سوريا عام 1982 والتي انتهت بتقويض جماعة الاخوان في هذا البلد. وشهدت هذه المرحلة أيضاً هجرة واسعة للاخوان إلى السعودية.
وفي هذه المرحلة تمكن الاخواني السوري "محمد سرور زين العابدين" من تأسيس تيار جديد في السعودية حمل اسم "السرورية" وهو عبارة عن مزيج من الأفكار السلفية والاخوانية. كما قام الاخواني المصري "الشيخ يوسف القرضاوي" الذي ذهب إلى قطر بتشكيل تيار آخر أطلق عليه اسم "الوسطية".
المرحلة الثالثة
تزامنت هذه المرحلة مع "حرب الكويت" في مطلع تسعينات القرن الماضي. وشهدت هذه المرحلة خلافات بين الاخوان المسلمين من جانب والسلطات السعودية والتيار السلفي من جانب آخر حول مشاركة التحالف الدولي الذي كانت تقودها أمريكا في هذه الحرب.
فبينما كانت السعودية تشجع على هذه المشاركة، رفض الاخوان ذلك باعتباره يعطي الفرصة للقوات الأجنبية بدخول البلدان الإسلامية. وقاد هذا الرفض أتباع "الشيخ محمد سرور" خصوصاً "الشيخ سلمان العودة" و"الشيخ ناصر العمر". ونجم عن هذا الخلاف اعتقال الكثير من قيادات وأعضاء الاخوان من قبل السلطات السعودية. ومنذ ذلك الوقت تحوّل الاخوان وبشكل تدريجي إلى معارضين للحكومة السعودية.
المرحلة الرابعة
بدأت هذه المرحلة بعد انطلاق ما يعرف بـ "الربيع العربي" في بداية عام 2011. فقد اعتبرت السعودية الاخوان بأنهم يشكلون خطراً على أمنها متهمة إيّاهم بدعم الجماعات الإرهابية في مصر وعموم المنطقة خصوصاً بعد تلقيهم الدعم من دول أخرى في مقدمتها قطر وتركيا.
وخشيت سلطات الرياض من أن يتمكن تيار "السرورية" من نشر الفكر الاخواني في السعودية فبادرت إلى التضييق على نشطاء هذا التيار الذي يمتلك تأثيراً ونفوذاً واضحاً في أوساط شرائح كبيرة من المجتمع لاسيّما بين الشباب. كما عمدت السعودية إلى شنّ حملة إعلامية واسعة على قطر لإيوائها نشطاء اخوانيين في مقدمتهم "يوسف القرضاوي".
ويعتقد المراقبون بأن أحد أهم أسباب الأزمة الراهنة بين السعودية وقطر هو إصرار الأخيرة على دعم حركة الاخوان، الأمر الذي تعتبره الرياض بأنه يشكل خطراً عليها من الناحيتين الفكرية والسياسية خصوصاً وإن قطر تحظى بدعم تركيا التي تصر هي الأخرى على دعم الاخوان على الرغم من الخلافات التي نجمت عن هذا التأييد مع دول أخرى لاسيّما مصر التي تمكن العسكر فيها والذي تزعمه الرئيس الحالي "اللواء عبد الفتاح السيسي" من الإطاحة بحكم الرئيس الاخواني السابق محمد مرسي في تموز/يوليو 2013.