الوقت- كانت السعودية منذ أن تأسست ولا زالت رأس حربة المواجهين, للمد التحرري ومن ثم القومي ومن بعده الماركسي في بلد اعتاد الحروب وعانى شعبه ما عانى, ولطالما وقفت السعودية في وجه أي مشروع يقطع علاقة التبعية التي تربط اليمن بنظام آل سعود. واستكانت السعودية لنظام علي عبد الله صالح، فهو كان لعبة طيعة كما شاؤوا، شرطيا يؤمن خاصرتهم الرخوة ويمدهم بعمالة رخيصة ولا يكترث لظروف حياة هؤلاء، في بلد لا يعترف بأدنى حقوق الانسان. لا يهتم السعوديون لشكل النظام القائم في اليمن، طالما أنه يؤمن مصالحهم. ومن هنا، لم يكن استبدال صالح بهادي مشكلة بالنسبة لهم، ولو أتى بعد هادي أداة طيعة أخرى لما اكترثوا.
هذه المقدمة كانت ضرورية للقول بأن الحرب التي يشنها السعوديون اليوم لا علاقة لها بالضرورة، بالمنحى الايديولوجي أو بالارتباط السياسي لأنصار الله كما تزعم السعودية. إنهم يرون فقط مشروعا سياسيا منظما ومسلحا، ألحق بجيشهم هزيمةً نكراء أواخر العقد الأخير، خارجا عن طاعتهم، مهددا الاستقرار السياسي لإمارات الخليج وممالكه. وبناء على هذا كله، فإن مواجهة الحرب السعودية على اليمن إنما هو موقف واضح منحاز لإمكانية نشوء خط سياسي في اليمن، مستقل عن النفوذ السعودي ومتحرر عنه. فطالما ارتبطت اليمن بآل سعود، طالما بقيت غارقة في التخلف، وعانى شعبها الفقر والإذلال والتبعية. إن آل سعود أخطر ما مر على عالمنا العربي، ووجودهم كان وسيبقى حجر عثرة في وجه كل مشروع تقدمي في عالمنا العربي. وكل حرب تخوضها تلك العائلة المشؤومة إنما تقرب من نهايتهم الأخيرة.
التصريحات التي تدلي بها السعودية, إن كان على لسان مسؤوليها, أو رأس السلطة فيها الملك سلمان, إنما هي مزاعم خالية من أي روح للمنطق والعقل, فسليمان أعلن أن حربه على اليمن إنما جاءت لتحقيق مجموعة أهداف لخصها كالتالي:
- منع انتشار الصراع الداخلي والفتنة في اليمن
- إعادة الحياة السياسية إلى مجراها الطبيعي
- عدم السماح لما سمتهم السعودية جماعات يمنية متطرفة لها ارتباطات خارجية من شأنها أن تزيد رقعة الفتنة، لنشرها في الدول المحيطة.
هذه الأسباب سابقة الذكر إنما كانت ملخصا لأبرز ما جاء على لسان الملك سلمان عندما قرر الحرب على شعب أعزل يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة, شعب انتفض على التبعية لدول الخارج, وفي قراءة بسيطة لما أعلنها الملك سلمان, تنهال مجموعة من الأسئلة التي لا سبيل إلا ذكرها.
- السعودية التي تهدف إلى القضاء على المجموعات التي تعتبرها مسببا لزعزعة إستقرار وأمن المنطقة، لماذا تدعم الجماعات التكفيرية في كل من العراق وسوريا؟ ألم يلحق الدمار والخراب في هذين البلدين بسبب الدعم الخليجي للجماعات التكفيرية؟ أولا تتحمل السعودية مسؤولية الكم الهائل من اعداد الضحايا والجرحى والمشردين في هذين البلدين؟ ألا يعد دعم الجماعات التكفيرية التي تهدم وتنهب وتستبيح الأعراض وتسرق الممتلكات والآثار زعزعة لأمن واستقرار المنطقة؟
- إن كانت السعودية فعلا حريصة على أمن المنطقة, اولا يعد الكيان الإسرائيلي أصل الفتنة في المنطقة؟ أليست الاعتداءات التي يشنها هذا الكيان على لبنان وفلسطين إخلالا للسلم والإستقرار؟ أولا يكفي إغتصاب الكيان الغاصب لكل المساحات التي اغتصبها من أهلها الشرعيين في فلسطين ومصر وسوريا وغيرها تهديدا لسلم المنطقة؟ أين السعودية من جزرها الثلاث التي احتلها الكيان الإسرائيلي عنوة وغصبا؟
- من حق كل إنسان لا تزال تنبض في عروقه روح العزة والكرامة من أن يتساءل, ألا تعد الأسلحة التي تمكنت اللجان الشعبية في اليمن من القبض عليها بيد عناصر القاعدة وتبين من أنها من تمويل سعودي, هو مشروع تغزيه السعودية لنشر الصراع الداخلي والفتنة بين اليمنيين؟ وكان آخرها تمكن قوات الجيش اليمني والقوات الشعبية, من الاستيلاء على أسلحة قامت بإنزالها الطائرات السعودية لمسلحي القاعدة في منطقة جعولة مديرية تبن محافظة لحج، ما دفع بالطائرات السعودية لقصف المباني السكنية في المديرية كردة فعل إنتقامية. وتعتبر هذه هي المرة الثالثة التي يستولي فيها الجيش وأنصار الله على الأسلحة. حيث ألقت السعودية، منتصف الشهر الماضي، في منطقة الوهط كميات من الأسلحة مظلياً، وبعد اشتباكات عنيفة مع القاعدة تمكن الجيش من الاستيلاء عليها، وكانت المرة الثانية، قبلها بأسبوعين، في المنطقة ذاتها.
- وأي ضرب للفتنة تكون بضرب المدارس والجمعيات الخيرية؟ هي تقتل وتستبيح وتنتهك ما أرادت وكل ذلك تحت عناوين ومسميات واهنة. لا شك أن السعودية لا تملك أي مشروع لديها في اليمن سوى الدمار والخراب وقتل المدنيين, ومن قال إن من حق السعودية قتل المدافعين عن أرضهم وخيراتهم وممتلكاتهم وكرامتهم؟
- لو قمنا بمراجعة للعملية السياسية منذ أن بدأت الإحتجاجات والمطالبات الأخيرة اليمنية (مع الإشارة إلي أن هذه المطالبات والإحتجاجات يعود تاريخها إلى الزمن الذي أرخت السعودية فيه تسلطها على المنطقة هادفة استعباد اليمنيين) لوجدنا أن اليمنيين كانوا مجمعين بأغلب تشكيلاتهم على ضرورة التوصل إلى حلول تكون مرضية لجميع الأطراف, وخير شاهد على ذلك ان اليمنيين توصلوا آخر المطاف إلى إتفاق يرضي الجميع, إشتركت في صياغته جميع الأطراف اليمنية, وأمضاها الرئيس صالح آنذاك والذي كان وقتها رئيسا للبلاد, لكن السعودية التي رأت أن أي اتفاق في اليمن كما أي إتفاق في المنطقة يعرض مصالحها للخراب والضياع, لأنها أي السعودية نشأت في ظل ظروف من اللاإستقرار في المنطقة, لذلك حينما اتفق اليمنيون, أعلنت السعودية حربها العدائية على الشعب اليمني.
- مما لا شك فيه, وما لا يمكن الإغفال عنه في كل خطوة تقدم عليها السعودية في المنطقة, لا بد من الرجوع الى الإدارة الأمريكية, التي هي مصدر القرارات التي تتحكم بالقرار السعودي, فأمريكا تمتلك الكثير من المصالح والمنافع في اليمن أو الحدود القريبة منها, بل ومنشآت عسكرية, كل هذه المصالح التي أقامتها أمريكا كانت في ظل ظرف من التشتت والضياع العربي, وعندما تقوم الشعوب فإن العامل الذي ساعد على قيام هكذا مصالح سيسقط لا محال, لأن تلك المصالح قامت على حساب شعوب المنطقة, وهي تهديد مستمر لهذه الشعوب وإرادتها, فهل ان السعودية تقوم بحرب بالوكالة, إلتقت عليها مصالح مشتركة؟
بالرغم من كل ما تقوم به السعودية من مخططات تدميرية للمنطقة, وبالرغم من كل الهمجية التي يستخدمها مع الشعب اليمني الاعزل, إلا أنها وبالتجربة العملية أثبتت عن ضعفها أمام إرادة اليمنيين, فلا الطائرات تمكنت من إركاعهم ورضوخهم للإذلال السعودي, ولا حملاتهم البرية أثبتت عن جديتها, فالعناصر السعودية تبادر إلى الفرار في اللحظات الأولى من بداية أي هجوم تشنه على التشكيلات الشعبية اليمنية, هذا بالإضافة إلى أنها لجأت لشراء عناصر من بلدان أخرى أغرتهم بعناوين وهمية غير واقعية كما سبق وذكرنا, إلي جانب العنصر المادي الذي لا تملك السعودية أي مقوم آخر غيره, واي منطق تلجأ إليه لإقناع الشعوب بمشروعها, لأن مشروعها أصبح واضحاً وهو العمالة للغرب ليس إلا, إذن لا سبيل أمام السعودية إلا التسليم بالأمر الواقع, وهو أن الشعوب قد ثارت منذ أن قامت الكيانات الفاقدة للشرعية, وعلى السعودية ان تستدرك الأمر وتترك الحال لليمنيين المسالمين في تقرير شؤون بلادهم