الوقت- بعد أيّام قليلة، يحلّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضيفاً على السعوديّة ضمن زيارته الشرق أوسطيّة التي ستشمل الكيان الإسرائيلي أيضاً.
الزيارة، التاريخية المرتقبة، وفق وزير الخارجيّة السعودي عادل الجبير، والخارجية الأولى لرأس الحكم الأمريكي، تتضمّن عقد مؤتمر عربي إسلامي أمريكي في العاصمة السعودية، يتضمّن ثلاث قمم، القمّة الأولى سعوديّة أمريكية، الثانية خليجية أمريكية والثالثة عربية إسلاميّة أمريكية.
صحيفة الواشنطن تايمز، كشفت أنّ التعاون الأمني يتربّع على رأس أولويات الزيارة الأمريكية إلى السعوديّة، وكذلك طي صفحة الإدارة السابقة برئاسة باراك أوباما، عبر استعادة دور أمريكا المحوري في المنطقة من جديد، خلافاً لاستراتيجية الارتكاز الآسيوي السابقة.
ترامب الذي وصف الزيارة بأنها استعراض رمزي للعزم، سيزور المنطقة بغية تحقيق هدفه المعلن: "مصلحة أمريكا أولا"، إلاّ أن السؤال الذي يطرح نفسه كيف ستتحقّق المصلحة الأمريكية هذه على ضوء متغيّرات المنطقة؟ وهل نحن بصدد صياغة استراتيجية أمريكية جديدة، يرى كثيرون أنّها تحمل طابع اقتصادي لواشنطن؟
كثيرة هي التحليلات والتكهنات حول أهداف ونتائج هذه الزيارة، ولعلّ الهدف الغائي أو النهائي هو المضيّ بمشروع الائتلاف الغربي-العربي- العبري في منطقة الشرق الأوسط، وهو الذي يعدّ نسخة جديدة عن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تحدّثت عنه وزير الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس في العام 2006 والذي سقط بمفاعيل نتائج حرب تموز.
ما يعزّز هذا الأمر هو ما كشفته صحيفة هآرتس الإسرائيلية حول صياغة دولاً خليجية ( السعودية والإمارات) اقتراحا يقضي بتطبيع العلاقات مع الکیان الإسرائيلي في حال قامت حكومة الکیان برئاسة بنيامين نتنياهو ببوادر إيجابية تجاه الفلسطينيين من بينها تجميد البناء الاستيطاني في أجزاء من الضفة الغربية، وتخفيف القيود على التجارة في قطاع غزة، مقابل إقامة خطوط اتصال مباشرة بين الكيان الإسرائيلي وعدد من الدول العربية والسماح للطيران الاسرائيلي بالتحليق في أجواء دول الخليجیة وإزالة القيود على التجارة مع "إسرائيل"، بالإضافة إلى دراسة خطوات تشمل منح تأشيرات للرياضيين ورجال الأعمال الإسرائيليين، وفق الصحيفة الإسرائيلية.
وتبدو وجهة الإئتلاف الجديد( محور الاعتدال العربي أو المصالحة- المحور الصهيوني- المحور الغربي) واضحة للجميع، أي أنّه سيوّلي قبلة المواجهة مع محور المقاومة مع تركيز أكبر على إيران لشدّ العصب لدى الشارع العربي الذي لا يزال يعتبر الكيان الإسرائيلي عدوّه الأساس.
البعض ذهب إلى أبعد من مجرّد ائتلاف سياسي، ليتحدّث عن استحداث نسخة عربية من الناتو (ناتو عربي)، وهو ما تحدّث عنه موقع ديبكا الإسرائيلي اليوم، إلا أنّه في ظل غياب مصر اللاعب الأبرز إقليمياً على الصعيد العربي، وتضارب مصالح بقيّة أعضاء الحلف المرتقب، أين ستكون القوّة الضاربة لهذا الناتو الذي لا يختلف في نظرنا كثيراً عن التحالف العربي في اليمن، وإن اختلفت مسمّياته. هل ستضاف إليه قوّات بحرينية أشبه ما تكون بالشرطة؟ أم قوّات أردنية غير قادرة على اللعب خارجياً نظراً للأوضاع الداخلية القائمة؟
لا ينتابنا شكّ أن الفشل العسكري هو مصير هذا الناتو العربي، كما حصل مع التحالف العربي في اليمن الغير قادر على تحقيق أهدافه رغم مرور أكثر من سنتين ونيّف على العدوان، إلا أن الرابح الأبرز من هذا الإئتلاف هو الرئيس الأمريكي ترامب، ليس من الناحية العسكرية، بل الاقتصاديّة نظراً لكونه سيدرّ على شركات السلاح الأمريكية وميزانية الحكومة مئات المليارات من الدولارات التي يحتاجها الرئيس الأمريكي لتنفيذ مشاريعه الداخليّة.
ولعل العائق الأبرز لهذا الائتلاف "الأعرج" يتعلّق بالمقبولية الشعبية له، حيث لا يزال الشارع العربي، وتحديداً في ظل الانتفاضات الشعبية في فلسطين من ناحية، والجرائم الإسرائيلية من ناحية أخرى، يرى أن التهديد الحقيقي يأتي من الكيان الإسرائيلي، وهذا ما دفع بالسعوديّة لشدّ العصب الطائفي تارةً (سنّي-شيعي) والعرقي آخري (عربي-أعجمي).
وبالتالي، إن هذا الائتلاف فيما لو حصل فعلاً سيزيد من النقمة العربيّة على الأنظمة المتخاذلة، الأمر الذي سيؤدّي إلى اصطفاف هذه الشعوب إلى جانب فلسطين، والمحور الذي يدعمها، بأيديهم، وإن لم يستطيعوا بألسنتهم، وإن لم يستطيعوا بقلوبهم، وذلك أضعف الإيمان.
قد ينجح هذا الائتلاف إعلاميّا نظراً لارتكازه على آلة إعلاميّة عربيّة- غربية ضخمة ستروّج له بكافّة السبل الممكنة. لا تهتموا بالظاهر الإعلامي له، مهما بدا برّاقاً، بل انظروا إلى فحواه. لا نبالغ إذا أوضحنا أنّ أكثر من 50بالمئة من نتائج هذا الائتلاف ستنتهي مفاعيله مع رحيل ترامب من المنطقة على متن الطائرة التي أتى بها.
وأما الـ50% الباقية قد تكون ضحيّتها فلسطين، كما يريد بعض الحكام العرب، إلا أن لسان حال الشعوب العربية والإسلامية يقول موعدنا مع فلسطين مهما طال الفراق،عليها نحيا وفيها نموت ومنها نبعث شهداء.