الوقت- "لاءات ثلاث" من نوع آخر، رفعتها مكوّنات جنوبيّة عنوانها "لا للتحالف، لا لهادي، لا لحزب الإصلاح". الاعتراض الجنوبي الذي ارتفع منسوبه تحدّث عن "شتى أنواع المؤامرات" التي نسبها لـ" أطراف دولية لديها مصالحها مع عصابة الحكم في السلطة اليمنية، والتي عادت اليوم ممثلة بما يسمى حكومة الشرعية".
مكونات الحراك التابعة للزعيم الجنوبي، حسن باعوم طالبت بـ"سحب كافة أبناء الجنوب من جبهات القتال في الأراضي والجبهات الواقعة خارج حدود الجنوب لمنع نزيف الدم الجنوبي الذي ينزف دون أي فائدة"، كما طالبت بـ"إغلاق مكاتب حكومة الاحتلال في معاشيق، وإغلاق مطار عدن أمام رئيس دولة الاحتلال اليمني، ورئيس وأعضاء ما يسمى بحكومة الشرعية".
لم تكن هذه المطالبات التي اقترنت بمطالبات انفصاليّة وليدة الصدفة، بل جاءت بعد صراع سياسي تارةً وعسكري أخرى بين أنصار السعودية من ناحية، وأنصار الإمارات من ناحية أخرى، ليبقى الشعب اليمني عموماً، والجنوب على وجه الخصوص باروداً لهذه المواجهة التي لا ناقة له فيها ولا جمل.
المكوّنات الجنوبيّة تحّدثت بصراحة عن عدم صحّة الرهان على على "التحالف العربي"، لأن مساعدات الأخيرة لبعض القيادات الجنوبيّة تأتي وفق مصلحة متبادلة بين الطرفين، والتي بدورها تقوم هذه القيادات بـ"شراء ولاءات ضعاف النفوس من بعض المحسوبين كقادة على الحراك الجنوبي، واستخدامهم لتمرير مشاريعها، واستغلالهم لضمان استمرار تحقيق مصالحها".
مطالبات الانفصال
الفراغ القائم بالجنوب منذ حضور قوّات التحالف العربي إثر عملية السهم الذهبي، أنتج حرباً بالوكالة بين الحليفين السعودية والإمارات بدأت بعزل الرئيس المستقيل والمنتهية ولايته عبد ربّه منصور هادي لرئيس حكومته حينها خالد بحاح المحسوب على الإمارات، ولم تنتهي مؤخراً بقرارات هادي التي، أثارت موجة غضب جنوبيّة وإماراتيّة جديدة، وأطاحت بأهم رجال الإمارات في اليمن وهما عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك، ما بأحد المصادر المقرّبة من هادي للقول مؤخراً: قال الرئيس هادي لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد أن الإمارات تتصرف في اليمن كقوة احتلال، بدلا من التصرف كقوة تحرير.
هذا الفراغ رفع من منسوب المطالبة بالانفصال، حيث دعا أنصار حسن باعوم إلى "تشكيل وإعلان مجلس سياسي جنوبي ومجلس عسكري جنوبي وبأسرع وقت لإدارة المرحلة الراهنة في الجنوب، والتأسيس لإعلان الدولة الجنوبية القادمة".
العدوان السعودي
رسائل عدّة تحملها هذه المظاهرات التي تأتي بعد أيام على المحاولات السعوديّة الاماراتية اليائسة لإنكار الخلافات القائمة، الأمر الذي سيؤثر بشكل واضح على سير ما يسمى بعاصفة الحزم أو إعادة الأمل، التي عصفت بأهل اليمن دون أن تعيد لهم أي أمل بالأمن والاستقرار، وهنا لا بد من ذكر التالي:
أوّلاً: إن هذه المظاهرات تؤكد أن لا غطاء شعبي يمني للشرعية التي تتذرع بها السعودية. ففي أغلب مناطق الشمال المأهولة عجزت السعودية عن التقدّم الميداني بسبب الرفض الشعبي والمقاومة التي سطّرتها قوات الجيش واللجان، وأما في الجنوب فهذه المظاهرات خير دليل على ذلك، إذاً عن أي شرعية تتحدّث السعوديّة؟ ربّما عن شرعية صحراء حضرموت وحجارتها أو شرعية القاعدة التي أكّدت مؤخراً على لسان زعيمها "قاسم الريمي" بأن عناصر هذا التنظيم يتعاونون مع المليشيات التي تدعمها السعودية وأمريكا في هذا البلد وكذلك مع القوات الموالية للرئيس المستقيل "عبد ربه منصور هادي" في مواجهة الجيش اليمني واللجان الشعبية التي تقودها حركة أنصار الله.
ثانياً: إن هذه المظاهرات التي لم نشهدها في شمال اليمن، بخلاف ما حاول محمد بن سلمان الترويج له في مقابلته الأخيرة عن خلاف أنصار الله مع الرئيس صالح، وهو خلاف لا ننكره، تؤكد عدم قدرة هادي ومن خلفه على إدارة البلاد، بل إن الظروف التي كانت قائمة حينها (العام 2011) هي التي أتت بهادي رئيساً. أثبتت السعودية عجزها في السياسية مع أصدقائها، تماماً كحال عجزها الميداني سواءً على حدودها الجنوبيّة، أو في فرضة نهم أو الحديدة، وهي المناطق التي نسمع "بتحريرها" منذ أشهر وربّما سنوات.
ثالثاً: بدا واضحاً صراع النفوذ القائم، كما ثبت للشعب اليمني، وتحديداً الجنوبي أن التدخل السعودي لا دخل له بمصلحة الشعبي اليمني، بل هو مصلحة سياسية سعوديّة إماراتية بامتياز ولكن على دماء اليمنيين. اليوم الإمارات تحاول تحقيق أهدافها السياسية بأي وسيلة ممكنة، وهو ما أنتج صراعاً إعلامياً غير مباشر بين كلا الطرفين، ودفع بسياسيين جنوبيين محسوبين على الإمارات للتوجّه نحو الانفصال وهو أنبأنا به وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش قبل أيّام: "لكل فعل رّد فعل، وإذا كان الفعل متهورا، فمن الطبيعي أن ردة الفعل تحرّر المشاعر المكبوتة وتعرّي ما كان مسلما وتنقل المشهد إلى مستوى آخر".
رابعاً: بدت لافتةً المعارك الشرسة التي شهدتها ساحة التواصل الاجتماعي. ففي حين قال أحدهم "دعوا اليمن لليمنيين واخرجوا فهم أدرى بمصالحهم، كفى سفكا لدماء شعب اليمن"، قال آخر "أولاد زايد يلعبون لعبتهم كالعادة قبل في سوريا ومصر والان في اليمن تجعل نفوذ لها بالجنوب اليمني وفصله وطعن في الشريعة ورئاسة هادي وجعل الشمال لوحده وخاصره في ظهر السعودية كنت اتمنى دخولها لعاصفة الحزم مساندة ودعم للسعودية واليمن لكن طلعت مصلحه ونفوذ"، في حين اختصر أحدم المشهد بتساؤلات محقّة: "خلاف إماراتي سعودي ، ستندلع حرب في جنوب اليمن أتثقون بشرعية باعت وطنها للأجنبي ليستبيح ويقتل ويشرد ملايين اليمنيين؟.. الشعب اليمني لن ينسى شهدائه الذين ضحوا من اجل الدفاع عن بلدهم".