الوقت - لايخفى على أحد بأن القضية الفلسطينية تبوأت موقعاً متقدماً في العالم الإسلامي طيلة العقود الماضية؛ بل يمكن القول بأنها كانت وإلى وقت قريب في أعلى سلّم الأولويات لكثير من الدول الإسلامية، لكن هذا الأمر وللأسف قد تغير في موازين معظم هذه الدول خلال السنوات الأخيرة لأسباب معروفة بينها محاولات التطبيع بين هذه الدول والكيان الإسرائيلي والدخول في سياسة المحاور خدمة للمشروع الصهيوأمريكي المعروف باسم "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" بقيادة واشنطن.
في مقابل ذلك لعبت الجمهورية الإسلامية في إيران دوراً كبيراً ومؤثراً لإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد من خلال خططها وبرامجها السياسية والإعلامية والإنسانية وفي مقدمتها إعلان مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني "رض" يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك من كل عام لنصرة القضية الفلسطينية، وتقديم الدعم اللامحدود للشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة لتمكينهم من استعادة حقوقهم المغتصبة في الأرض والوطن وفي مقدمتها حق العودة وتشكيل الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ومن الأسباب التي أدت إلى تراجع القضية الفلسطينية عن الصدارة في العالم الإسلامي هي الحروب والنزاعات التي أشعلت فتيلها الدول الأجنبية وفي مقدمتها أمريكا من خلال العزف على وتر الطائفية وإثارة النعرات القومية والعرقية إلى جانب تشكيل ودعم الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح والمعلومات المخابراتية والتسهيلات اللوجستية لتمزيق جسد الأمة الإسلامية واقتطاع أجزاء مهمة من أراضيها كما حصل في سوريا والعراق خلال السنوات الأخيرة.
ومن الأسباب الأخرى التي ساهمت في انحسار الاهتمام بالقضية الفلسطينية في العالم الإسلامي هي الهواجس والأوهام التي طبلت لها بعض الدول الإقليمية وعلى رأسها السعودية للتخويف من قدرة إيران في المنطقة أو ما بات يعرف باسم "إيران فوبيا" وذلك من خلال الترويج لأكذوبة مفضوحة بأن إيران هي العدو الأول لهذه الدول وليس الكيان الإسرائيلي. ووصل الأمر بالعديد من هذه الدول وعلى رأسها السعودية إلى الإعلان عن استعدادها لوضع إمكاناتها تحت تصرف الكيان الصهيوني لضرب المنشآت النووية الإيرانية التي تؤكد تقارير الوكالة للطاقة الذرية بأنها مخصصة للأغراض السلمية.
والتساؤل المطروح والملحّ هو: ما هي السبل والاستراتيجيات الواجب اتباعها لاستعادة مكانة فلسطين في العالم الإسلامي؟
للإجابة عن هذا التساؤل ينبغي الإشارة إلى ما يلي:
- مواجهة الفتنة الطائفية التي يثيرها الأعداء لاسيّما بين السنّة والشيعة، وذلك من خلال التمسك بالثوابت الدينية وتشخيص العدو الحقيقي المتمثل بالكيان الصهيوني وحلفائه في المنطقة والعالم.
- دعم الفصائل الفلسطينية المقاومة بكل أنواع الدعم خصوصاً في وقت تعرض الشعب الفلسطيني لعدوان إسرائيلي غاشم كما حصل ولعدة مرات خلال العقدين الماضيين والذي أدى إلى استشهاد وجرح وتشريد الآلاف من الفلسطينيين لاسيّما في قطاع غزة.
- الضغط على المحافل الدولية خصوصاً الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي للاعتراف الكامل بحق الشعب الفلسطيني ووقف الاستيطان في الأراضي المحتلة تمهيداً لتشكيل الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
- إبراز القضية الفلسطينية في جميع المؤتمرات التي تعقدها الدول الإسلامية سواء في إطار اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي أو الاجتماعات الأخرى التي تعقد بين الحين والآخر كمؤتمر الوحدة الإسلامية.
- تركيز الاهتمام على القضية الفلسطينية في المناهج الدراسية في العالم الإسلامي واستثمار فرص التجمعات المليونية كالتي تحصل في أوقات الحج للدعوة لنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم والدفاع عن قضيته العادلة ضد الكيان الصهيوني الغاصب.
- تطويق آثار وتداعيات النزاعات الداخلية في العالم الإسلامي أو التي تحصل بين بعض دوله والسعي لإنهاء هذه النزاعات بأسرع وقت ممكن من أجل التفرغ للقضية الفلسطينية التي تأثرت كثيراً بهذه النزاعات في السنوات الأخيرة.
- فضح المشاريع الغربية التي تقودها أمريكا للنيل من القضية الفلسطينية ومن بينها مشاريع التسوية التي أثبتت التجارب أنها لن تجدي نفعاً وتصب فقط في صالح كيان الاحتلال الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني المظلوم وتهدد أيضاً الأمن والاستقرار في عموم المنطقة.
- التصدي للحكّام المتآمرين على القضية الفلسطينية وفضح علاقاتهم المشبوهة من خلال الإعلام والمحافل السياسية والثقافية والدينية الشعبية والرسمية.
- رأب الصدع بين الفصائل الفلسطينية لاسيّما بين حركة حماس والجهاد الإسلامي من جهة ومنظمة التحرير الفلسطينية من جهة أخرى باعتبارها تمثل أبرز الفصائل الفاعلة والمؤثرة في الساحة الفلسطينية، ودعم هذه الفصائل لتوحيد رؤاها وبرامجها ومناهجها وبلورتها باتجاه الهمّ الأساسي المتمثل بنصرة حقوق الشعب الفلسطيني واستعادة الأراضي المغتصبة بكافة الوسائل المشروعة إقليمياً ودولياً.
أخيراً ينبغي التأكيد على أن القضية الفسطينية يجب أن تكون في طليعة قضايا العالم الإسلامي لما تلعبه من دور مهم في توحيد أبناء الأمة الإسلامية، فضلاً عن وجوب نصرتها كفرضٍ ديني وشرعي وأخلاقي وحضاري، وإلاّ فإن الأجيال القادمة لن ترحم كلّ من فرط بهذا الحق الواضح والمشروع وسيبقى هذا التقصير وصمة عار في جبين كلّ من تخاذل عن نصرة هذا الحق ما بقي الدهر.