الوقت- كلما اقترب الحسم العسكري في العراق وأصبح تطهير مدينة الموصل بالكامل من تنظيم داعش الإرهابي مسألة وقت، ازدادت وتيرة الخطوات الكردية الدافعة باتجاه استقلال إقليم كردستان العراق من جهة، وزادت الحساسيات الداخلية والخارجية نسبتا لهذا المطلب الكردي من جهة أخرى.
وفي هذا السياق نقلت صحيفة الشرق الأوسط على صفحتها الإنكليزية تصريحا لكفاح محمود، المستشار الإعلامي لمسعود برزاني خبرا مفاده أن استفتاءا عاما سيجري في خريف 2017 لتحديد مصير الإقليم سياسيا. يقول محمود أن الاستفتاء فرصة لتقوية العلاقات الكردية الكردية، ويضيف أن سبعة ملايين كردي يعيشون في كردستان العراق ومن حقهم امتلاك هويتهم الوطنية مضيفا أن الإدارة الأمريكية الجديدة تحترم هذا التوجه الطامح للاستقلال.
إزاء هذا الإصرار الكردي على تحقيق الاستقلال عن الحكومة المركزية في بغداد، لا بد من السؤال بعد تحقيق هذا الاستقلال في حال تم ما هي المشاكل التي سيواجهها هذا المولود وما ستكون ردة فعل الدول المجاورة لهذا الكيان وهي إيران، تركيا، سوريا والعراق إضافة إلى الحليف الأساسي للأكراد اليوم أي الأمريكيين؟
إيران
لطالما كان الموقف الايراني يؤكد دوما على ضرورة الحفاظ على وحدة العراق ورفض أي شكل من أشكال التقسيم، وهذا ما يؤكده مسؤولوا وقادة الجمهورية وهذا ما صرح به المتحدث باسم الخارجية الايرانية بهرام قاسمي مؤخرا حيث أكد أن موقف الجمهورية الإسلامية هو الدفاع عن العراق موحدا والتأكيد على ضرورة التزام كافة الأطراف بالقانون العراقي وحل الخلافات عبر النقاش الداخلي والأطر القانونية، منددا برفع علم كردستان العراق على المؤسسات الحكومية في كركوك، معتبرا ذلك عملا يؤدي إلى زيادة التوتر.
تركيا
تركيا أيضا لاعب أساسي فيما يخص الملف الكردي في المنطقة بشكل عام، ولا يخفى على الأكراد العداوة التركية المزمنة اتجاههم، بل وزد على ذلك فإن الأتراك جاهزون للتدخل عسكريا إن لزم الأمر لمنع تأسيس كيان كردي على خاصرتهم العراقية لأن ذلك يهدد أمنهم القومي.
وفي هذا السياق أكد رئيس الوزراء التركي "بن علي يلدرم" في مقابلة مع شبكة أن تي في أن التوجه الكردي غير صحيح ولا مقبول، وهو مخالف للقانون الأساسي العراقي. وبدوره وزير الخارجية التركي أيضا هدد بإغلاق حدود الإقليم بوجه الأكراد وبمحاصرتهم إقتصاديا بشكل مؤذي.
الحليف الأمريكي
لا يخفى على أحد أهمية دور اللاعب الأمريكي في المنطقة وخاصة لدى الأكراد، فالأمريكيين لعبوا الدور الأهم في فدرلة إقليم كردستان سابقا، كما للأمريكيين علاقات وثيقة مع كل من حكومتي بغداد وكردستان. ولكن هناك اختلاف في وجهات النظر الأمريكية حيال استقلال الإقليم بشكل كامل، فرغم أن دونالد ترامب عزز علاقته بالأكراد في سوريا والعراق بعد تسلمه سدة الحكم في البيت الأبيض، إلا أن هناك أراء كثيرة تدعو الإدارة الأمريكية إلى عدم التهور والإنجرار وراء الأكراد، وما لذلك من تأثير سلبي على النفوذ الأمريكي داخل المحافل السياسية العراقية، لذلك نجد الموقف الرسمي الأمريكي لا زال يؤكد على وحدة أراضي العراق وهذا ما عبر عنه صراحة مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي خلال لقائه بمسعود برزاني على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ مؤخرا. على كل حال يبقى الموقف الأمريكي حيال هذا الأمر مهما جدا ولا يمكن للأكراد أن يقوموا بمثل هذه الخطوة دون مباركة من سيد البيت الأبيض وهو الأمر المستبعد في هذه الظروف.
الخلافات السياسية داخل الأطراف الكردية في إقليم كردستان
على رغم أن مطلب الاستقلال يشكل إجماعا لدى الأطراف الكردية المؤثرة في القرار، إلا أن أسلوب إعلان الاستقلال يشكل نقطة خلاف فيما بينهم. فمن بين 5 أحزاب أساسية في إقليم كردستان وهي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حزب حركة التغيير، حزب الاتحاد الإسلامي، حزب الجماعة الإسلامية والحزب الديمقراطي الكردستاني، وحده الحزب الديمقراطي برئاسة مسعود برزاني يصر على إجراء الاستفتاء بأسرع وقت وإعلان الاستقلال.
ويعود سبب إصرار برزاني وحزبه على الأمر لاعتقاده أن الظروف التي يعيشها العراق اليوم هي الأفضل لتحقيق الاستقلال. أما حزب حركة التغيير وإلى حد كبير الاتحاد الوطني الكردستاني فإنهم يخالفون هذا التوجه، إضافة إلى ذلك فإن هذه الأحزاب تخالف برزاني في إدارة العلاقة مع حكومة بغداد ورئاسة الأخير للإقليم والنهج الإقتصادي الذي يتبعه.
إذا يبدو أن الظروف ولو أن برزاني يراها مؤاتية لقطاف الحلم الكردي إلا أن المعوقات لا زالت كثيرة، وبالنسبة إلى الموقف العراقي ازاء هذا الأمر فهو يؤكد على وحدة أراضي العراق دون أي تجزئة. واليوم اقترب العراق من تطهير كامل أراضيه من شر تنظيم داعش الإرهابي وبات أقوى من ذي قبل في الحفاظ على أراضيه وحماية سيادته. وهذا الأمر ينسحب على الواقع والموقف السوري أيضا.
يبقى دعم بعض الأطراف التي تريد التأزيم في المنطقة ومنها الكيان الإسرائيلي الذي يمتلك علاقات مميزة مع أطراف في كردستان العراق، فهل سيتمكن برزاني ومن معه من تحقيق استقلال لكيان كل محيطه يخالفه الرأي، وهل سيكتفي بدعم أطراف لا تملك له نفعا ولا ضرا ويتخذ خطوات أكثر استفزازا قد تؤدي به إلى حصار مطبق لا يسمح حتى بالاستمرار في حكم ذاتي كما هو الحال حاليا؟