الوقت - سعى المسؤولون الأمريكيون طيلة السنوات الماضية إلى وضع قوات حرس الثورة الإسلامية في إيران على لائحة الإرهاب، واقترح السيناتور الجمهوري "تيد كروز" قبل مدة إدراج هذا الأمر على جدول أعمال الإدارة الأمريكية برئاسة "دونالد ترامب".
وفي حال تحقق هذا الاقتراح ستكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها درج مؤسسة رسمية تابعة لدولة أخرى على لائحة الإرهاب الخاصة بأمريكا. وفي هذه الحالة ستكون وزارة الخارجية الأمريكية ملزمة باتخاذ إجراءات عملية لتنفيذ هذا الأمر على أرض الواقع.
والسؤال المطروح: هل تتمكن واشنطن من درج (الحرس الثوري) على لائحة الإرهاب، وما هي الأهداف التي تسعى أمريكا لتحقيقها من وراء ذلك؟
قبل الإجابة عن التساؤل الأول لابد من الإجابة عن التساؤل الثاني المتعلق بالأهداف. وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى أهم هذه الأهداف كما يلي:
1 - مواجهة نفوذ الحرس الثوري في المنطقة
هدد ترامب أثناء حملته الانتخابية بتمزيق الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع مجموعة (5+1) التي تضم بالإضافة إلى أمريكا كلاً من روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. ويعتقد المراقبون بأن هذا التهديد ما هو إلاّ ذريعة لمواجهة نفوذ إيران في الشرق الأوسط بعد النجاحات الباهرة التي حققتها قوات حرس الثورة الإسلامية من خلال دعمها لمحور المقاومة في عموم المنطقة لاسيّما في العراق وسوريا ولبنان.
2 - تكريس ما يعرف بـ "إيران فوبيا"
لطالما عزفت واشنطن وحلفاؤها الغربيون والإقليميون على وتر التخويف مما تسميه واشنطن مخاطر إيران على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي أو ما بات يعرف باسم "إيران فوبيا" وذلك من أجل تحقيق أهداف سياسية وعسكرية واقتصادية. ودأب ترامب ومشاوروه ومساعدوه على الإيحاء بأن قوات حرس الثورة الإسلامية تشكل خطراً على الشرق الأوسط من أجل إيهام العالم بضرورة مواجهة هذه القوات التي تمكنت من التصدي للمشروع الصهيوأمريكي الرامي إلى تمزيق المنطقة والاستحواذ على ثرواتها والتحكم بمصيرها ومقدراتها.
3 - بيع السلاح لدول المنطقة
سعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى التلويح بورقة "إيران فوبيا" لابتزاز دول المنطقة لاسيّما دول مجلس التعاون لإرغامها على عقد صفقات ضخمة لشراء الأسلحة من الشركات الأمريكية التي يمتلكها عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين. ووصل الأمر إلى أن بعض هذه الدول باتت تعتبر إيران هي العدو الأول وليس الكيان الإسرائيلي , ولهذا وافقت على تطبيع العلاقات مع هذا الكيان واستمرت إلى جانب ذلك في شراء مختلف أنواع الأسلحة الحديثة والمتطورة من أمريكا. وعبر الترويج لهذه المؤامرة تسعى واشنطن إلى وضع حرس الثورة الإسلامية على قائمة الإرهاب بالتواطؤ مع الأطراف التي رضخت لهذا الابتزاز وفي مقدمتها السعودية.
4 - خلخلة الوضع الداخلي في إيران
تعتقد واشنطن بأن وضع قوات حرس الثورة الإسلامية على قائمة الإرهاب سيربك الوضع الداخلي في إيران وذلك من خلال الإيحاء بأن هذه القوات هي السبب في استمرار الحظر المفروض على البلاد بعد أن أخفقت الإدارة الأمريكية إلى حد كبير في إقناع العالم بضرورة مواصلة هذا الحظر بذريعة الخلاف النووي.
وبالعودة إلى التساؤل الأول، وهو هل تتمكن واشنطن من درج الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب أو ما يعرف باللائحة السوداء؟
في الإجابة عن هذا التساؤل يمكن القول بأن هذه المحاولة لن تجد طريقها على أرض الواقع لعدّة أسباب يمكن إجمالها بما يلي:
- وضع الحرس الثوري على قائمة الإرهاب سيمنع طهران من الانفتاح على واشنطن لوضع حد لأزمات المنطقة عن طريق تفعيل القنوات الدبلوماسية والسياسية بين الجانبين.
- بما أن الحرس الثوري هو جزء مهم من القوات العسكرية الإيرانية، فمن حق طهران أن تتعامل مع القوات العسكرية الأمريكية كجماعات إرهابية عملاً بمبدأ المقابلة بالمثل، وهذا من شأنه أن يعقد الأوضاع، ولن يسهم أبداً في تهيئة الأجواء المناسبة لتسوية الخلافات العالقة بين البلدين.
- يدرك الجميع بأن الحرس الثوري الإيراني وتحديداً قوات فيلق القدس التي يقودها اللواء قاسم سليماني تلعب دوراً كبيراً في محاربة الإرهاب في عموم المنطقة خصوصاً في سوريا والعراق، ولهذا فإن وضع هذه القوات على لائحة الإرهاب من شأنه أيضاً أن يضع عقبات كبيرة أمام إكمال مهمة القضاء على الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها "داعش".
ويؤكد الخبراء العسكريون بأن تحرير الكثير من المدن السورية والعراقية ومن بينها حلب وإدلب وأجزاء كبيرة من الموصل ما كان ليتم لولا تعاون إيران مع قوات البلدين، خصوصاً من قبل الحرس الثوري.
- يعلم الجميع بأن قوات حرس الثورة الإسلامية تحظى بتأييد واسع لدى كافة شرائح المجتمع الإيراني وقواه السياسية على اختلاف توجهاتها لمعرفتهم بالدور الكبير الذي تضطلع به هذه القوات في حفظ أمن وسيادة واستقلال البلاد. ولهذا فإن أي قرار قد تتخذه واشنطن ضد الحرس الثوري من شأنه أن يضع الإدارة الأمريكية في مقابل الشعب الإيراني برمته وليس أمام الحرس الثوري وحده، وهذا سيكون بمثابة دق المسمار الأخير في نعش المساعي الإقليمية والدولية الرامية إلى إعادة العلاقات بين طهران وواشنطن في مختلف المجالات.