الوقت- على مدى أكثر من ست سنوات تعمدت الجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا إخفاء جرائمها والتستر خلف ذريعة أن الحكومة السورية هي من يقتل شعبها، وفي ظل التجييش الإعلامي الكبير الذي رافق ما يسمى "الربيع العربي"، استطاعت هذه المجموعات بشكل أو بأخر كسب جمهور وفئات معينة من خلال شعارات رنانة تنادي بالحرية على اعتبار أنه يجب اسقاط جميع الأنظمة العربية الديكتاتورية.
مرت الأيام والسنوات وسقطت أحجار الدومينو الواحدة تلو الأخرى حتى وصلت إلى الجدار السوري، ليصرح أكثر من مسؤول أمريكي في حينها أن المستهدف هي سوريا.
لتأتي سلسلة العمليات الإرهابية التي حدثت منذ فترة وجيزة في العاصمة السورية دمشق وما تبعه من عمليات عسكرية شنها العدو الإسرائيلي لتفتح الباب على مصراعيه أمام الكثير من التساؤلات عن أسباب هذه الهجمات وأهدافها ولماذا تزامنت مع ذكرى مرور ست سنوات من عمر الأزمة السوري؟!
في السابق كانت الجماعات الإرهابية المسلحة تمارس جرائمها في وضح النهار وتتهم الدولة السورية بارتكابها، وكان لدى بعض الناس استعداد لتصديق عدم نزاهة الدولة في العالم العربي وامكانية تورطها في أعمال خفية، أما اليوم فإن الإرهابيين يدخلون إلى قصر العدل ويتابعون مسيرهم الى مطعم في الربوة ويقومون بعمليات انتحارية ويقتلون العشرات من المدنيين دون أن يكترثوا بما سببوه من تخريب وقتل لأرواح العشرات من المدنيين، والسبب بات واضحاً بعد هزيمتهم في حلب وانحسار انتشارهم في الشمال الحلبي مع ضغط كبير مورس عليهم من قبل الجيش السوري على جميع الجبهات ابتداءاً من حمص وريفها وصولاً إلى الشمال الغربي والشرقي، مما وضعهم أمام خيارين إما الحياة أو الموت، فما كان بوسعهم إلا استهداف المستضعفين والمدنيين العزل لإثبات وجودهم وإيصال رسالة لداعميهم ومن بقي معهم بأنهم لازالو على قيد الحياة.
وبالحديث عن تفاصيل الجريمة التي استهدفت قصر العدل دخل رجل يرتدي زياً عسكرياً ويحمل سلاحا إلى قصر العدل، وعند وصوله إلى الحاجز العسكري هناك سلم سلاحه لعناصر الجيش، وأثناء قيام العناصر بتفتيشه اندفع الإرهابي نحو بهو القصر العدلي، ليسمع خلال ثواني صوت انفجار مدوي، تناثرت معه أشلاء الشهداء في كل مكان، لتصل حصيلة التفجير إلى 36 شهيد وحوالي 100 جريح جلهم محامين وقضاة ومراجعين مدنيين وأعقب تفجير قصر العدل تفجير أخر في منطقة الربوة، حيث حاول ثلاثة إرهابيين التسلل إلى وسط العاصمة دمشق عبر منطقة الربوة، إلا أن القوى الأمنية كشفت هويتهم وبدأت بملاحقتهم واشتبكت معهم فقتلت اثنين منهم فيما هرب الثالث إلى داخل إحدى المطاعم ليفجر نفسه بعدد من المتواجدين في المكان، ما أدى لجرح العشرات اثنين منهم في حالة خطرة.
وكان من اللافت عدم إدانت بعض الدول الكبرى لهذه العمليات الإرهابية، كالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، وكأن هناك حالة رضى لدى البعض عما جرى وخاصة أن التفجيرين تزامنا مع دخول الأزمة السورية عامها السابع، حتى الجماعات الإرهابية المسلحة لم توجه أصابع الاتهام هذه المرة للحكومة السورية، بل فاخرت به لتوصل رسالة مفادها صحيح أننا هزمنا في حلب لكننا ما زلنا قادرين على إلحاق الضرر بخصمنا.
وهنا لابد من قراءة متأنية للأسباب الكامنة وراء امتناع المعارضة المسلحة والتنظيمات الإرهابية عن إلقاء التهمة على النظام السوري" كما يحدث عادة"، و قد بات جليا أن هذه المعارضة بدأت تتلاشى وتذوب في ظل الضربات الأخيرة التي وجهها الجيش السوري لهذه المجموعات علاوة على الهزيمة الكبرى التي قصمت ظهرهم في معركة حلب الكبرى.
إذن الجماعات المسلحة أصبحت في مأزق حقيقي فقاعدتها الشعبية تتجه نحو الزوال، لذلك كان لابد بالنسبة لها أن تقوم بعمل يعيد ثقة من بقي معها بها، وخاصة أن وعودهم لمن يصطفون في صفهم باتت أوهام وغير مقنعة فأتت هذه الجريمة لتكون حقنة مهدئة لجمهورهم الذي أصبح لا يطيق كذبهم ودجلهم.
أما على الصعيد الدولي فإن التفجرين الأخرين على الرغم مما سبباه لنا من ألم وغصة على فقدان أعزاء سوريين مدنيين، كانت رسالتهما واضحة بأن الدول الداعمة للإرهابيين والجماعات المسلحة أصبحت مكبلة ومشلولة ولاتستطيع تحقيق أي إنجاز يذكر، فنقلت إرهابها إلى المناطق السورية الآمنة وهذا سيكلفها الكثير في القادم من الأيام سواء داخل بلادها أو خارجها وضرائب 11 أيلول على آل سعود تفسر الأسباب.
واليوم يأتي رأس الأفعى الكبير محاولا ضرب العمق السوري بطائراته التي اعتادت أن تسرح وتمرح في سماء المنطقة دون أن يعترضها أحد، لكن ما فعله الجيش السوري اليوم قلب الطاولة على الكيان الإسرائيلي وأذرعه الإرهابية في سوريا، حيث أتت هذه الطائرات لتحقق نصراً ما فإذا بالمضادات الجوية السورية تسقط طائرة اسرائيلة داخل الأراضي المحتلة وتصيب أخرى وتجبر الباقي على الفرار، في سابقة على ما يبدو أن تردداتها ستعصف بقادة الكيان الإسرائيلي، وتدخلهم في مساءلة من نوع أخر أمام شعبهم.
ما فعله الجيش السوري اليوم أوصل رسالة واضحة للعدو ومن يقف خلفه أننا ماضون في استئصال الإرهاب أينما حل، ولن يثنينا عن تحقيق هدفنا أي معتدي أو انتحاري مجنون، فالجيش السوري لن يقبل أن تجرح العدالة في قصر عدله، دون أن يقتص من المعتدي، وعلى من يهين العدالة أن يتحمل عواقب فعلته.