الوقت- يتناقل الإعلام العربي والدولي ارتفاع العديد العسكري الأمريكي في سوريا. فيما يبدو واضحاً أن الأمر يتخطى في طياته مجرد رفع عدد القوات العسكرية. فالمسألة ومن خلال قراءتها ووضعها في قالبها السياسي، تدل على حجم التخبُّط الأمريكي في التعاطي مع ملفات المنطقة لا سيما الملف السوري. في ظل إدارة جديدة تعيش وضعاً محلياً ودولياً متأزماً. فماذا في التوجه الأمريكي الجديد ومزاعم واشنطن حيال ذلك؟ وما الفرق في السياسة الأمريكية تجاه سوريا بين الأمس واليوم؟ وما هو التقييم الحقيقي لدلالات ذلك؟
قوات إضافية تصل سوريا
أكد مصدر أمني كردي أمس، أن المئات من قوات المارينز التابعة للبحرية الأمريكية، وصلوا إلى مطار الرميلان في ريف مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة شمال سوريا. وهو ما بدأ بحسب المصدر، منذ 5 أيام من خلال عمليات إنزال حصلت بواسطة المروحيات عبر القاعدة الأمريكية في كردستان العراق. في وقتٍ أكد فيه المصدر نقل بطاريات مدفعية وأسلحة نوعية، براً عبر معبر سيمالكا بين سوريا وكردستان.
التوجه الأمريكي والمزاعم خلف ارسال الجنود
فيما يخص واقع التوجه الأمريكي والسبب من وراء ذلك، نُشير للتالي:
أولاً: أعلنت واشنطن منذ يومين أن عديد القوات الأمريكية التي تتواجد حالياً في سوريا ازداد عما كان عليه في مرحلة إدارة الرئيس أوباما، حيث يحصل حالياً دخول علني لقوات مشاة البحرية الأمريكية، فيما اقتصر في السابق الأمر على تواجد مستشارين وخبراء عسكريين فقط.
ثانياً: أعلنت واشنطن في وقت سابق أن الهدف من ارسال القوات هو محاربة تنظيم داعش الإرهابي في منبج. ولم تُخف واشنطن محاولتها منع وقوع صدامات بين قوات سوريا الديمقراطية الكردية، والقوات التركية الموجودة في المنطقة ضمن ما يُسمى عملية درع الفرات.
السياسة الأمريكية تجاه سوريا بين الأمس واليوم
يمكن توصيف السياسة الأمريكية تجاه سوريا واختلافها بين الأمس واليوم كما يلي:
أولاً: تسعى أمريكا في ظل الرئيس الجديد، للمشاركة في الحرب السورية بشكل أكبر من السابق. وهو ما يدل على توجهٍ أمريكي يختلف عن سياسة واشنطن خلال فترة الرئيس باراك أوباما والتي اتسمت بإعتماد سياسة التردد والغموض.
ثانياً: وافق البنتاغون ضمناً على التعاون الكردي مع الطرف السوري فيما يخص خط المواجهة بين الأكراد وقوات درع الفرات المدعومة من تركيا. وهو ما أظهر البراغماتية الأمريكية في تعاطيها مع الطرفين التركي والكردي. فيما جاء ذلك كنتيجة لفرض الطرف السوري لمعادلات ميدانية جديدة في سوريا، بات الأمريكي من الراضخين لها.
قراءة تحليلية في الدلالات الحقيقية
لا شك أن رضوخ واشنطن لنتائج الحرب في سوريا بات واضحاً اليوم. في حين يمكن القول أن عدة دلالات تُظهر العديد من التحليلات نُشير لها كما يلي:
أولاً: تنتهج إدارة ترامب سياسة مغايرة ومُناقضة لإدارة أوباما في المنطقة خصوصاً في سوريا. وهي تسعى للتعاطي ضمن عنوان عريض وضعته لمستقبل سياستها الدولية في المنطقة وهو إدارة نتائج الأزمات بأقل الخسائر.
ثانياً: من الواضح وجود تناغم روسي أمريكي ضد تركيا، حيث رفضت إدارة ترامب الشروط المسبقة التي وضعتها تركيا قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي خلال الشهر الماضي والذي يتعلق بطلب أنقرة توقف الدعم الأمريكي للأكراد. حيث ردت واشنطن بإرسال قوات امريكية إلى مدينة منبج وتسليح المقاتلين الأكراد. وهو ما اعتبرته أنقرة إعلاناً صريحاً بمحاولة ردع الطرف التركي.
ثالثاً: تطمح واشنطن لمشاركة روسيا في الحرب على الإرهاب. فيما يبدو واضحاً تراجع السقف الأمريكي بتغيير نظام الحكم في سوريا، وتعويم هدف الحرب على التنظيمات الإرهابية، واعتبار ذلك أولوية. وهو ما يُعارض في الواقع طموحات دول كالسعودية والتي ما تزال تسعى لإبقاء سقفها الخطابي ضمن إطار الإنتقال السياسي في سوريا.
رابعاً: يدل التوجه الأمريكي على قناعة أمريكا بفشل الحرب بالوكالة. وهو ما اعتمدته إدارة الرئيس أوباما عبر الإعتماد على الشركاء الخليجيين والأوروبيين. الأمر الذي يعني إعلان أمريكا استسلامها فيما يخص الواقع السوري الجديد، وسعيها للرضوخ بأقل الخسائر. فيما يبقى موضوع تدخلها المباشر رهن المستقبل وما يمكن أن ينتج عنه.
خامساً: بدا واضحاً ومنذ الفترة التحضيرية للإنتخابات الأمريكية، بُعد واشنطن عن الشؤون الدولية لا سيما التي تتعلق بالشرق الأوسط. وهو ما جعل أمريكا في حالة من العزلة الدولية. فيما تجلى ذلك في بعدها عن واقع الميدان السوري وصولاً الى رضوخها للنتائج التي تحصل اليوم.
إذن، ليس بعيداً عن نتائج الحرب في سوريا، تعيش واشنطن عقدة التحوُّل في التعاطي مع الملف السوري. ليس فقط لسبب نضوج واقع الأزمة بعيداً عن طموحات واشنطن، بل لأن الأزمة السورية أعادت وأخرجت الدولة السورية بشكل أقوى من السابق. وهو ما قلب معادلات الصراع. لتجد أمريكا نفسها بين مأزق أوباما الذي أورثها فشلاً ذريعاً، ومأزق ترامب الذي استلم مهامه في ظل وضعٍ مُعقدٍ للسياسة الأمريكية. ليكون الحضور الأمريكي في سوريا، أحد أوجه الضعف الذي يُظهر خفايا وحقائق التوجه الأمريكي الجديد تجاه المنطقة.