الوقت- في ظل الحديث عن مخططاتٍ للإدارة الأمريكية الجديدة تهدف لضرب التعاظم الإيراني، يُروج الإعلام لإختلافٍ في المصالح بين الحليفين موسكو وطهران. وذلك في محاولةٍ لتبيين وإظهار الطرفين في موقع الحلف الظرفي، ناهيك عن خدمة الهدف الأمريكي القاضي بإبعاد روسيا عن إيران. وهو الأمر الذي يحتاج في مقاربته لموضوعية تُراعي تاريخ العلاقة بين روسيا وإيران، بالإضافة الي فهم الواقع الحالي الذي يفرض العديد من التوازنات والمعادلات التي يشترك فيها الطرفين. فماذا في الحقيقة التاريخية التي توجع واشنطن وتتعلق بإبعاد الأطراف عن إيران؟ وما قصة الطموح الروسي؟ ولماذا لا يمكن تحقيقه دون طهران؟
عودة للتاريخ: الطموح الروسي أكبر من جهود أمريكا لإحتوائه
هي ليست المرة الأولى التي تسعى فيها واشنطن لإحتواء الطرف الإيراني. ففي تسعينات القرن الماضي، سعى الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون" لسحب سوريا بعيداً عن إيران ودفعها نحو الفلك السياسي الغربي. حينها فشلت واشنطن لأنها لم تُدرك حجم الآمال التي علقتها دمشق على حليفتها طهران.
ومن نفس المنطلق، فإن قراءة التاريخ بشكل مُتقن، يقودنا لنتيجة أن موسكو وعلى الرغم من امتلاكها أجندة خاصة بها، فهي تُعلِّق آمالاً كبيرة على حلفها القوي وشراكتها الإستراتيجية مع طهران. مما يُبرر حجم الروابط العسكرية والإقتصادية والسياسية التي بنتها روسيا وإيران على مدى ربع القرن الماضي.
قصة الطموح الروسي التي يجب معرفتها
في العام 2005 خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليُصرِّح أمام مؤتمر الأمن في ميونيخ، الى أن أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين تتعلق بإنهيار الإتحاد السوفياتي. وهو ما دفع روسيا لإنتهاج سياسة خارجية تهدف لإعادة التأثير الذي كان يتصف به الإتحاد السوفيتي السابق وكسب التبعية السياسية والإقتصادية. ولذلك سعت:
عسكرياً: سعت روسيا لفرض الأولويات الإستراتيجية لموسكو في علاقتها مع أوروبا ودول آسيا. ما دفعها لخلق أو دعم كتلٍ أمنية مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي. ما أحدث واقعاً عسكرياً جديداً.
إقتصادياً: على الرغم من عدم نجاحه بشكل كبير، قامت روسيا بإنشاء بديل عن الإتحاد الأوروبي. وهو ما يُعرف بـ "الإتحاد الإقتصادي الأورو- آسيوي". الأمر الذي أوجد واقعاً إقتصادياً منافساً للإتحاد الأوروبي.
سياسياً: سعت روسيا لبناء علاقات وثيقة مع دول مثل روسيا البيضاء، وآسيا الوسطى ودول أوروبا الشرقية، وذلك بهدف بناء مسار استراتيجي يسمح لها بالحركة والتأثير.
كيف تخدم العلاقة الروسية الإيرانية هدف موسكو؟
شكلت إيران من خلال سلوكها السياسي الإقليمي والدولي، نموذجاً للدولة القادرة على التعاظم مع مراعاة مصالح الدول والشعوب الآخرى. الأمر الذي جعلها تتمتع بمكانة استراتيجية في الشرق الأوسط لها منطلقاتها الثقافية والتاريخية المتميزة. مما جعلها الشريك الأفضل لروسيا. وهو ما ساهم في بحث روسيا عن شراكاتٍ عديدة مع إيران تمثلت في التالي:
الشراكة الإقتصادية والتجارية: في ظل التراجع الذي عانته روسيا اقتصادياً، نتيجة استهدافها من قِبل الغرب بالعقوبات، وما تزامن معه من انخفاضٍ في أسعار النفط، حازت إيران على إهتمامٍ خاص من قِبَل روسيا، كطرفٍ قادرٍ على بناء الشراكة الإقتصادية الإستراتيجية. وهو ما دعمه توقيع الإتفاق النووي والذي جعل من الساحة الإيرانية فرصة للغرب وليس روسيا فقط. هذا ما يمكن أن يُبرر الإتفاقيات الضخمة التي أبرمها الكرملين مع الجانب الإيراني، ووصلت لما يُقارب مبلغ 10 مليارات دولار، وشملت صفقات أسلحة جديدة مع النظام الإيراني، بالإضافة الى صفقات تتعلق بالتجارة النووية.
الشراكة السياسية والعسكرية: أدركت روسيا منذ البداية أنها تحتاج لإيران كبوابة عبورٍ لها الى الشرق الأوسط. وهو ما يبرز بشكل واضح من خلال قراءة الأزمة السورية وسلوك الطرفين. الأمر الذي دفع الكرملين لتركيز استراتيجيته على توسيع وتعزيز وجوده العسكري في سوريا ومكافحة المتطرفين المتحدرين من روسيا، وأجزاء أخرى من الإتحاد السوفيتي السابق. وهو ما جاء بعدد خطواتٍ عملية لمحور المقاومة في سوريا، أثبتت نجاحه في تحديد المسار الإستراتيجي العسكري والسياسي المتعلق بالأزمة السورية. وهو ما جعل من علاقة موسكو مع إيران ضرورة إستراتيجية،، حيث أن أي خطوة عسكرية أو سياسية، أو أي مشروع تسوية، فإن لطهران التأثير الكبير في التوصل له. وهو ما يعني حاجة موسكو للبقاء على تقارب جيد مع إيران للحفاظ على موطئ قدمٍ استراتيجي لها في سوريا على المدى البعيد.
إذن على الرغم من لعب واشنطن على حبل العلاقات الدولية وبلغةٍ تتصف بالبراغماتية. فإن ما تسعى له من تقاربٍ مع موسكو لن يكون على حساب العملاق الإيراني، الذي بات شريكاً واقعياً لكلٍ من روسيا وأي دولةٍ كبرى أخرى. الأمر الذي يجعل الواقع الدولي مقيداً بما نسجه المُخطط الإيراني على المستوى الإستراتيجي. وهو ما يفهمه الروس جيداً، في حين ليس من المهم إن فهمته واشنطن أو لم تفهمه.