الوقت- قبل أن يبرد غضب الشارع الأمريكي الذي أشعله مقتل رجل أعزل أسود على يد شرطي أمريكي أبيض بدم بارد العام الماضي، عاد الشارع للغليان من جديد وهذه المرة من مدينة بالتيمور الساحلية حيث توفي شاب أسود في المستشفى بشكل غامض، كانت شرطة المدينة قد القت القبض عليه بشكل عنيف بتهمة "حيازة سكين".
وتوفي فريدي جراي "25 عاما" متأثرا باصابته بكسور في فقرات ظهره اثناء اعتقاله في 12 إبريل، واعتقل الشاب الاسود بتهمة حيازة سكين ونقل اولا الى مركز للشرطة في هذه المدينة الصناعية الواقعة على الساحل الشرقي للبلاد قبل ان ينقل لاحقا الى المستشفى حيث فارق الحياة بعد اسبوع. وكانت شرطة بالتيمور اقرت الجمعة بأن عملية اسعاف الموقوف تأخرت وبأنه كان يجب ان يحصل على مساعدة طبية فور اصابته بالكسور.
وفي أكبر تظاهرة تشهدها بالتيمور منذ وفاة فريدي جراي (25 عاما) متأثرا بإصابته، احتشد أكثر من ألف شخص أمام دار البلدية حيث تظاهروا طيلة ساعة ونصف الساعة بهدوء مطالبين بإحقاق العدالة.
ولكن هذا الهدوء لم يدم طويلا، إذ توجه عشرات المتظاهرين إلى إستاد كامدن ياردز للبيسبول قبل ساعة واحدة فقط من انطلاق مباراة بين فريقي بالتيمور أوريولز وبوسطن ريد سوكس.
وبثت قنوات التلفيزيون المحلية مشاهد التقطها مصورون على متن طوافات، أظهرت شبانا وهم يرمون زجاجات الصودا وعلب القمامة على رجال الشرطة الذين كانوا يتولون حراسة متحف المشاهير ومكتب تذاكر الدخول.
وأكدت شرطة بالتيمور في تغريدة على تويتر "للأسف المتظاهرون يحطمون الآن نوافذ ويرشقوننا بأشياء، نناشد الجميع المحافظة على هدوئهم ".
و قالت احدى المتظاهرات "إنه ميت لأن الشرطة وضعته في هذه الحالة حيث حدث أمر ما. علينا أن نبحث في ذلك الموضوع، لانه ينبغي ألا يكون ميتا. ينبغي أن يكون في السجن أو على قيد الحياة".
وهتف المحتجون في اليوم الثاني للمظاهرات: "حياة السود ثمينة"، "لا سلام بدون عدالة"، وأشعلوا الشموع في الشارع الذي اعتقل فيه غراي.
وقال متحدث باسم وزارة العدل لوكالة فرانس برس ان "الوزارة تابعت التطورات في بالتيمور بعد مقتل فريدي غراي"، مضيفا "بناء على معطيات اولية، فتحت الوزارة تحقيقا رسميا في الموضوع وتجمع المعلومات والادلة لتقرر ما إذا كانت ستقوم بتوجيه اتهامات تتعلق بالمساس بالحقوق المدنية".
وقبل أقل من شهر تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو يظهر ضابطا أبيض في الشرطة الأمريكية يقتل مواطنا أسمر بدم بارد بعد أن حاول الفرار منه وقد رماه الشرطي بعدة طلقات مميتة من الخلف ما أدى الى مقتله على الفور. وقد أدى انتشار هذا الفيديو الذي صوره أحد المارة بشكل خفي حالة من الاحراج للشرطة التي لم تستطع أن تكذب الخبر بعد انتشار الفيديو، ما دفع برئيس بلدية نورث تشارلستون الى القول عقب عقده مؤتمراً صحفياً إن المحققين اطلعوا على تسجيل مصور للواقعة التي حدثت يوم السبت ويظهر فيه ضابط الشرطة مايكل سلاجر وهو يطلق النار على والتر سكوت (50 عاما) وإن قرارا اتخذ بتوجيه تهمة القتل للضابط .
ولا تزال الى اليوم جريمة قتل المواطن الأسود مايكل براون في فيرغسون ولاية ميسوري محل نقاش حيث قتل على يد شرطي أبيض في التاسع من اب/اغسطس الماضي، الجريمة التي اعتبرت بداية لفتح ملف عنصرية الشرطة الأمريكية تجاه المواطنون السود من جديد، بعد أن حاولت الحكومات الأمريكية وعلى مدى أعوام من ترقيع هذه القضية تجاه الرأي العام الا أن محاولاتها لم تنجح حتى الآن حيث أن العنصرية من قبل السكاب البيض تعتبر متأصلة منذ نشأة أمريكا التي قامت على مذابح وإبادات جماعية بحق السكان الأصليين من الهنود الحمر ومن ثم استقدام السكان السود كعبيد للعمل تحت ظروف صعبة ومذلة، ولم يستطع هؤلاء السكان نيل حقوقهم الا بعد نضالات وتضحيات تاريخية من رجال لمع اسمهم ك"مارتن لوثر كينغ" وغيره.
وأدت سلسلة من حوادث قتل مواطنين سود عزل برصاص ضباط شرطة بيض إلى تنظيم احتجاجات في عدة مدن امريكية وأثارت جدلا بشأن سلوك الشرطة تجاه السود والأقليات الأخرى، وأعادت الى الأذهان حقبة سوداء من تاريخ أمريكا الأسود والظلامي حيث كانت وما زالت العنصرية طاغية على العلاقة بين المواطنين البيض والسود والأقليات الأخرى من عرب ولاتين وغيرهم. واللافت في الموضوع هو استهانة الحكومة الأمريكية ووقوفها بشكل أو بآخر مع القاتل ضد الضحية لدرجة كادت أن توصل الأمور الى حد وقوع أعمال عنف في مختلف الولايات الأمريكية.
ليس من المستغرب أن تتصرف الشرطة الأمريكية بعنصرية تجاه المواطنين السود وليس مستغربا أیضاً وقوف الحكومة الأمريكية الى جانب الجناة حتى الامكان، فالعنصرية كما يوثق التاريخ الأمريكي موجودة في صلب النظرة الاستعلائية تجاه السود والأقليات، انما المستغرب والمستهجن هو أن تحمل أمريكا سيف الدفاع عن حقوق المواطنين في مختلف أنحاء العالم وفرضها للعقوبات على دول وزعماء بحجة دفاعها عن حقوق الانسان والخطابات الحنونة التي يتلوها المسؤولون عند حديثهم عن مجزرة أو جريمة ارتكبها من صنعتهم أمريكا وحلفاؤها.
إنهم يتباكون على المهجرين في سوريا والعراق وهم السبب في تهجيرهم ويدافعون عن حقوق السجناء وهم نكلوا بسجنائهم في غوانتانامو وأبو غريب وقتلوا فريدي جراي بدم بارد في سجنه فقط بتهمة حيازة سكين. ولكن لا بد أن يأتي يوم تظهر فيه حقيقة الأمور كما هي دون أن تستطيع المليارات المصروفة على وسائل الاعلام من ترقيعها، ولا بد لصرخة الشعوب من أن تهز عرش أمريكا وحلفائها أينما كانوا. فباطل هو كل ما بني على باطل، من أمريكا الى حلفائها في دول الخليج، الى ممالك الدم في أفريقيا وأوروبا.