الوقت - خرجت تل أبيب بعرض جديد ضمن مسار التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي. لكن لغة هذا العرض كانت عسكرية. فيما تضمن العرض إنشاء حلفٍ عربيٍ إسرائيلي شبيه بحلف الناتو، لمواجهة التهديدات الإيرانية. الأمر الذي يطرح العديد من الدلالات والتساؤلات. فماذا في العرض الإسرائيلي الجديد؟ وكيف أنه يأتي ضمن مسارٍ واضح يتكامل مع المشروع الأمريكي؟ وما هي دلالات ذلك؟
العرض الإسرائيلي الجديد
في تطورٍ يُعتبر خطیراً ولافتاً في العلاقات بین الكيان الإسرائيلي وبعض الدول العربية، أبدى وزیر الحرب الإسرائيلي "أفیغدور لیبرمان" استعداده لتقدیم الحمایة للدول الخلیجية في حال أوجدت حلفاً مشتركاً رسمياً كحلف شمال الأطلسي بهدف مواجهة إيران بحسب تعبيره. وفي حديثٍ له، نشرته صحیفة "دي فیلت" الألمانیة، اعتبر لیبرمان أنه حان الوقت لتشكیل تحالف رسمي بشکل علني بعد أن فهمت الدول السنیة المعتدلة أن الخطر الأکبر لیس "إسرائیل" وإنما إیران. مؤكداً أن استعداد الكيان الإسرائيلي لتقدیم ما لدیه من إمكانيات تقنیة وعسكرية لحمایة شرکائه فی الحلف مرهونٌ يجدية إلتزام هذه الأطراف واستعداد كل دولة لحمایة أعضاء الحلف، الأمر الذي سيجعلها تتلقى الحماية في المقابل ضد أي عدوان علیها.
توجه ضمن مسارٍ واضح للمشروع الأمريكي!
خرج العرض الإسرائيلي الحالي خلال عدة محطات وتحديداً خلال العام الجاري ولكن بصياغات مختلفة حيث:
أولاً: خلال شهر كانون الثاني، لفت وزیر الدفاع الأمريكي "جیمس ماتیس" الإنتباه أمام مجلس الشیوخ الأمريكي إلى ضرورة تأسیس درع صاروخي خلیجي، لیس بهدف حمایة أمن الخلیج الفارسي فقط، بل لحمایة الكيان الإسرائيلي ويكون ذلك باباً خلفیاً لتطبیع العلاقات الخلیجیة مع الإحتلال بذریعة مواجهة العدو المشترك الإيراني.
ثانياً: خلال شهر شباط، أشار رئيس حكومة الإحتلال بنیامین نتنیاهو خلال زیارته إلى الولایات المتحدة إلى أن لكيانه والدول العربية المعتدلة عدو واحد، وهو إیران.
ماذا يعني التوجه الإسرائيلي الجديد؟
يُبرز العرض الإسرائيلي الجديد عدة مسائل يُمكن ذكرها في التالي:
أولاً: يبدو واضحاً حجم التآمر العربي لا سيما الخليجي ضد القضية الفلسطينية. فيما بات الكيان الإسرائيلي ناطقاً بمصالح بعض الأنظمة ووكيلاً للدفاع عن أمنها القومي. وهو ما يُعارض خيارات شعوب المنطقة في صراعها وعدائها للإحتلال الإسرائيلي.
ثانياً: ترتقي العلاقة بين الكيان الإسرائيلي وبعض الأنظمة العربية نحو مرحلةٍ تتقدم وتتطور بشكل ملفت. حيث بدأت بإعلان التحالف وخروجه من دائرة السرية الى العلن. ثم تسليط الضوء على أهمية هذا التعاون. وصولاً الى الدعوة اليوم لتحالف رسمي ضد إيران.
ثالثاً: يتكامل المشروع الإسرائيلي مع الجهود الأمريكية الرامية الى تعزيز التحالف الإستراتيجي بين الأنظمة العربية المتخاذلة والكيان الإسرائيلي. حيث يبدو واضحاً أن تل أبيب باتت عرابة السياسات في المنطقة كوكيل عن أمريكا ومصالحها.
رابعاً: في الوقت الذي تتبنى الشعوب العربية والإسلامية الخيارات الإستراتيجية للجمهورية الإسلامية وفي مقدمتها الدفاع عن القضية الفلسطينية، تتآمر بعض الأنظمة العربية على خيارات الأمة الإسلامية والعربية وتبتعد عن خيارات شعوبها الأمر الذي يُهددها بالسقوط كأنظمة ستجد نفسها دخيلة في دولها وبين شعوبها.
خامساً: يدل التوجه الإسرائيلي على مسألة خطيرة تحتاج لوقفة، وهي أن الضعف الإسرائيلي والعجز الأمريكي أثمرا هذا التوجه. حيث أن فشل أمريكا في مشاريعها وضعف تل أبيب في مواجهة طهران، جعلها توجد شبكة من العلاقات القائمة على المصالح والتي باتت تلتقي بها تل أبيب مع بعض الأنظمة العربية ضد إيران.
سادساً: إن الهدف الأصلي من كل ما يجري هو محاولة إحتواء التعاظم الإيراني المُتشكل في محور المقاومة. والذي بات يتخطى حزب الله والنظام السوري والمقاومة الفلسطينية، نحو العراق واليمن والبحرين. الأمر الذي يجعل من تل أبيب بحاجة لأداة عربية متخاذلة كهذه الأنظمة.
سابعاً: يُعلن الطرف الإسرائيلي من خلال هذا التوجه فشل كل السياسات السابقة لمحاربة إيران ومحور المقاومة. في حين تغفل تل أبيب والسعودية تحديداً عن أن أصل قوة إيران ومحور المقاومة يكمن في وجود تأييد شعبي عارم يتخطى الإقليم، لخيارات إيران الإستراتيجية في مقاومة الإستكبار.
ثامناً: يمكن القول أن تل أبيب تسعى لإيجاد واقع عسكري يُكمِّل مشروعها السياسي المشترك مع بعض الأنظمة العربية. وهو ما له حسابات خاصة ومعادلات جديدة. ما يعني السعي لإيجاد مُعسكر عربي مدعوم إسرائيلياً!
تاسعاً: يُثبت ما يجري اليوم، نجاح الجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة والشعوب العربية في تخليد القضية الفلسطينية والتي تُعتبر القضية المركزية الأم في المنطقة والعالم. وهو ما أثبته المؤتمر الضخم الأخير الذي استضافته طهران حول القضية الفلسطينية والذي ما يزال حديث الإعلام العربي والدولي حتى اليوم.
إذن، تخرج تل أبيب بما يتناغم مع مصالح بعض الأنظمة العربية. لكن يبدو أن البعض لم يقرأ التاريخ جيداً. فاللعب على وتر القومية أو الطائفية أو المذهبية لن ينفع. وخيارات إيران الإستراتيجية يحميها التأييد الشعبي العارم من قبل الشعوب العربية والإسلامية وفي مقدمتها قدسية القضية الفلسطينية. أما فيما يتعلق بمحاولة خلق معادلاتٍ جديدة عبر عسكرة الصراع وتكوين حلفٍ عسكري ضد طهران، فهذا له حساباتٌ أخرى حيث لا داعي للكلام. فلمحور المقاومة أيادي، تمتد من الخليج الفارسي وتمر بمضيق هرمز وتصل الى مضيق باب المندب وما هو أبعد وصولاً الى البحر المتوسط. وهو ما يُدرك معناه الأمريكيون والإسرائيليون جيداً في ميزان الحسابات. أما بالنسبة لإيران فهي لا ترغب باستخدام ذلك حتى الآن!