الوقت- قد تكون المعانات هي السمة المشتركة اليوم بين كافة أطياف الشعب السوري، وسط حرب كونية يخوضها ضد الإرهاب والتكفير المستورد من كافة أصقاع الأرض. ولكن الحصار الذي طال ولا يزال بعض المناطق كان نقطة فارقة في مسيرة هذه الحرب. ونقصد هنا مدينتي كفريا والفوعة، إضافة إلى نبل والزهراء التي تمكن أهلها بمساعدة الجيش السوري وحلفاؤه من كسر حصارها في شباط فبراير من العام المنصرم. حصار هذه البلدات أضاف إلى المعانات مآسي لعل أهونها فقدان المواد الغذائية الأساسية إضافة إلى الأدوية وطعام الأطفال.
بلدتي "كفريا والفوعة" التي تقعا في ريف محافظة إدلب ومنذ أوائل أغسطس آب 2015 م وقعتا تحت حصار الجماعات التكفيرية وعلى رأسها جبهة النصرة. ومنذ ذلك اليوم إلى الحين لم يمر يوم لم تطلق خلاله قذائف صاروخية باتجاه البلدتين.
وخلال تلك المدة قدم أهالي البلدتين مئات الشهداء والجرحى في سبيل الدفاع عن أرضهم وعرضهم، ولم يسمحوا للجماعات التكفيرية التي شنت أكثر من هجوم من دخول أرضهم. اليوم وبسبب الحصار المطبق على البلدتين أصبحت الأمور أكثر كارثية، هذا في وقت لم يحرك بعض دعاة الدفاع عن حقوق البشر وعلى رأسهم أمريكا ساكنا لوقف تلك الانتهاكات وإنهاء الحصار. بل على العكس فإنهم كانوا ولا زالوا يدعمون الجماعات التكفيرية بشتى أنواع السلاح المتطور، الذي فتك بأرواح آلاف الأبرياء من السوريين إلى اليوم.
عدم اهتمام الدول والمحافل السياسية والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان وصل إلى حد مخجل، حيث لا أحد يهتم أو يرفع الصوت دفاعا عن أهالي تلك البلدتين. وأمام هذا الصمت المدقع أقدم أهالي الفوعة وكفريا على إنشاء مخيم اعتصام يطالب بفك الحصار وإيصال رغيف الخبز إلى البلدتين. لأن المجاعة وصلت حد لا يطاق أصبح رغيف الخبز هو الهدف لدى أبناء البلدتين في إشارة إلى اليأس من مدعي حقوق الإنسان في العالم.
يؤكد أهالي البلدتين أن رغيف الخبز قد أصبح حلما لدى الكثير من الأطفال، وأن العيون تتسمر إلى السماء بانتظار مروحية تلقي عليهم بعض الطعام فيسدون رمقهم به، ليتمكنوا من متابعة صمودهم الأسطوري.
تقول أحد النساء في تصريح لها أن كبار السن باتوا نحفاء لا يقوون على النهوض والأطفال يمرون بأسوأ الأوضاع الصحية بسبب سوء التغذية، حيث تمر أيام لا يتمكن الأهالي من تأمين الطعام اللازم لأطفالهم. وأمام كل هذا لا يوجد أي اهتمام عالمي من أصحاب الديمقراطيات في العالم، وكأن أهالي البلدتين يعيشون في مجاهل العالم التي لم تصل إليها قدم بشر. تنهي السيدة حديثها قائلة لقد تركونا وأولادنا أمام مصير محتوم وهو الموت.
أحد المقاتلين الصامدين على جبهات البلدتين وفي حديث له إلى وكالة تسنيم الإيرانية يقول: نحن لا نريد خبزا نملأ به بطوننا، بل نريد ما يساعدنا على الصمود ومقاومة العدو الكامن لنا والذي يمكن أن تسول له نفسه الهجوم والتطاول على أرضنا وعرضنا. نحن الشباب المدافع عن الفوعة وكفريا نريد السلاح بالإضافة إلى الدبابات لنتمكن من كسر هذا الحصار، لأن الجميع قد تركنا لمصيرنا نحن وأطفالنا ونساؤنا أمام واقع محتوم.
إذا تواجه الفوعة وكفريا أيام صعبة من نقص الإمكانات الحياتية للأهالي، لأنه ومنذ أيام لم تحلق المروحيات التي كانت ترمي لهم بالخبز، مما زاد الوضع تعقيدا، خاصة أن الجماعات التكفيرية تتبع سياسة انتقامية إجرامية ضدهم فلا تسمح بدخول المساعدات الإنسانية التي يرعاها المجتمع الدولي، من مواد غذائية وطعام ووسائل صمود.
تتحدث تقارير عن موت الأطفال جراء الجوع والعجّز جراء المرض والصقيع، حيث لا إمكانات للتدفئة ولا مكان آمن للاحتماء من العدو الذي يحاصرهم. وكيف للأمان أن يتواجد في بلدتين قامت الجماعات المسلحة بدك معظم بيوتها وأحيائها بالصواريخ والقذائف، مما أدى إلى تدمير مئات المنازل. نعم لقد نحفت الأبدان ولم تعد تقوى على الوقوف أمام آلة الرعب والدمار التي تحاصرهم. فهل من يسمع نداءهم ويأخذ بيدهم إلى بر الأمان؟
هل سيجيب أحد من مدعي احترام حقوق البشر على نداء أهالي الفوعة وكفريا المطالب بالخبز الحاف؟ أم أن كل تلك الأبواق والمنظمات ليست سوى هياكل لا روح فيها ولا إنسانية. وإلى متى سيستمر السكوت عن هذه الجريمة المروعة التي ترتكب أمام أعين العالم وبضوء أخضر دولي أمريكي؟
خلال الأسابيع الأخيرة قامت الجماعات التكفيرية بصب جل حقدها على البلدتين، بعد الفشل والتقهقر في جبهات أخرى قد تكون أهمها حلب. حيث تساقط في يوم واحد ما يزيد عن 200 صاروخ على أحياء البلدتين، كانت سببا لشهادة بعض الأهالي منهم عائلة بكامل أفرادها لم يخرج أحد منهم سالما من تحت أنقاض منزلهم. وهنا من الجدير التأكيد على أن من يحاصر الفوعة وكفريا ومنذ اليوم الأول هم السعودية وتركيا وقطر، نعم فجيش الفتح الذي يتلقى أوامره من هذه الدول بشكل مباشر هو الذي يحاصر البلدتين منذ أغسطس آب 2015. ولا يمر يوم إلا ويطلق حقده الدفين باتجاههم.