الوقت- في مشهد يكشف مجدداً عن حقيقة الصراع الدائم بين لبنان والعدو الصهيوني، جاءت الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على الضاحية الجنوبية لبيروت لتؤكد أن خيار المقاومة لم يكن يوماً ترفاً أو خياراً هامشياً، بل كان ولا يزال خط الدفاع الأول والأخير عن سيادة لبنان وكرامته الوطنية، وفي وقتٍ تتصاعد فيه الاعتداءات الإسرائيلية وتتعدد أشكالها، يثبت سلاح المقاومة أنه نقطة القوة الوحيدة الباقية أمام آلة العدوان، في ظل تواطؤ دولي مخزٍ وصمت رسمي لبناني مثير للقلق.
العدوان الإسرائيلي المستمر وتجاهل القرارات الدولية
الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي استهدف منطقة الحدث في الضاحية الجنوبية ليس حادثة معزولة، بل يأتي ضمن سلسلة طويلة من الاعتداءات الممنهجة التي تهدف إلى تقويض الاستقرار الداخلي اللبناني وفرض معادلات جديدة بالقوة، هذا الاعتداء، الذي يُعد الثالث منذ إعلان وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي، يمثل خرقاً سافراً للقرار الدولي 1701، الذي التزمت به الأطراف عقب عدوان تموز 2006، العدو الصهيوني لم يُعر أي اعتبار لهذا القرار أو للآليات الدولية المفترضة لضمان الالتزام به، بل ذهب أبعد من ذلك حين مدّ عدوانه ليشمل قوات الجيش اللبناني نفسها، في تحدٍّ صريح للسيادة الوطنية اللبنانية ولكل قواعد القانون الدولي.
الغطاء الأمريكي... التواطؤ المكشوف
لم يكن هذا العدوان ليحدث بهذه الجرأة لولا الغطاء الكامل الذي توفره الإدارة الأمريكية للكيان الصهيوني، فالولايات المتحدة، التي ترأس اللجنة الدولية المشرفة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، تغض الطرف عن كل الانتهاكات الإسرائيلية بل توفر لها الدعم السياسي والدبلوماسي الكامل ،إن هذا التواطؤ لم يعد مجرد تخمينات أو اتهامات سياسية، بل بات حقيقة ثابتة تؤكدها مواقف الإدارة الأمريكية التي تسعى إلى حماية "إسرائيل" من أي مساءلة دولية، حتى لو كان الثمن دماء الأبرياء وانتهاك سيادة الدول الأخرى.
المعادلة الذهبية... الجيش والشعب والمقاومة
في ظل هذا الواقع القاتم، يتمسك اللبنانيون بمعادلة "الجيش والشعب والمقاومة" كخط الدفاع الحقيقي عن كيانهم ووجودهم، لقد أثبتت التجربة أن المقاومة المسلحة وحدها كانت الكفيلة بردع العدو الإسرائيلي وإجباره على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، كما كانت العامل الحاسم في صد عدوان تموز 2006.
سلاح المقاومة اليوم ليس عبئاً على الدولة اللبنانية كما يحاول البعض الترويج، بل هو نقطة القوة الأهم التي تمنع العدو الصهيوني من تحقيق أطماعه في المياه والثروات والأراضي اللبنانية ،أي مطالبة بنزع سلاح المقاومة، وخاصة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، هي ببساطة دعوة مكشوفة لتسليم لبنان على طبق من ذهب للهيمنة الصهيونية.
فشل الرهان على الدبلوماسية وحدها
على مدى سنوات، واصلت الحكومة اللبنانية وبعض الأوساط السياسية الرهان على الحلول الدبلوماسية والضمانات الدولية كوسيلة لحماية لبنان من العدوان الإسرائيلي، غير أن الوقائع الميدانية سرعان ما أثبتت زيف هذه الرهانات وهشاشتها أمام إرادة العدو وأطماعه التوسعية، فماذا كانت النتيجة العملية لهذا الخيار؟
آلاف الانتهاكات الصهيونية لسيادة الأراضي اللبنانية باتت تسجَّل بشكل متكرر، والقصف الإسرائيلي طال المناطق الآهلة بالسكان دون رادع، وفي مشهد لا يقل خطورة، ظل المجتمع الدولي، وتحديداً أعضاء اللجنة الخماسية مثل فرنسا والولايات المتحدة، يتغاضون بشكل فاضح عن هذه الانتهاكات، بل فروا غطاءً سياسياً واضحاً لاستمرار العدوان.
تجربة الاعتماد الأعمى على الدبلوماسية عوضاً عن امتلاك أدوات الردع الفعالة، أثبتت فشلها الذريع، فقد برهنت السنوات الماضية أن التفاوض دون وجود قوة تحمي الحقوق الوطنية لا يعدو كونه مضيعة للوقت، ومساهمة مباشرة في تفريط لبنان بسيادته واستباحة كرامته الوطنية، إن معادلة الردع القائمة على المقاومة المسلحة تبقى، على الرغم من كل الضغوط، الوسيلة الواقعية الوحيدة لضمان وقف الاعتداءات، وصون الاستقلال الوطني، وبالتالي، فإن أي رهان مستقبلي على الدبلوماسية وحدها، دون سند ميداني حقيقي، هو حكم بالإعدام على أي إمكانية حقيقية لحماية لبنان من الغطرسة الصهيونية.
تخاذل داخلي وتحرك خارجي مطلوب
يزداد المشهد قتامةً كلما تكرّس تخاذل الحكومة اللبنانية، التي لا تتعدى ردود فعلها الشكل اللفظي العاجز، بينما يواصل العدو الصهيوني عدوانه متجاوزاً كل الخطوط الحمراء بلا رادع، هذا العجز الرسمي ليس مجرد تقصيرٍ عابر، بل هو انسحابٌ مريب من الواجب الوطني الأساسي في الدفاع عن الأرض والسيادة، ما يدفع اللبنانيين، رغماً عنهم، إلى الاعتماد على المقاومة كخيار وحيد لردع العدوان وحماية الشعب.
في مواجهة هذا الواقع المأساوي، برزت مطالب واضحة من قبل الأحزاب والقوى الوطنية تطالب بتحركٍ عاجلٍ وجاد، أولى هذه الخطوات هي اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لتقديم شكاوى رسمية تُوثّق انتهاكات العدو وتكشف جرائمه المتكررة، كما لا بد من مواجهة الصمت الدولي المشبوه عبر استدعاء سفراء الدول الأعضاء في اللجنة الخماسية ومحاسبتهم على تواطئهم الصارخ، إلى جانب ذلك، يتعيّن تفعيل دبلوماسية هجومية نشطة تعري جرائم الاحتلال في كل المحافل الدولية، وتقطع الطريق على محاولات التضليل والإفلات من العقاب.
لكن هذه الخطوات، رغم أهميتها، تبقى ناقصةً ما لم تُرفق بإرادة سياسية حقيقية تدعم خيار المقاومة وتؤكد حق اللبنانيين في الدفاع عن أنفسهم، ففي معركةٍ يُختزل فيها الصراع بين مقاومة شعبية تواجه العدوان بصدور عارية، وحكومة عاجزة تكتفي بالمتفرجين، لا مكان للتردد أو المساومة، التحرك الدبلوماسي ضرورة ملحّة، لكنه يجب أن يكون جزءاً من استراتيجيةٍ شاملة تبدأ بإصلاح الخلل الداخلي وتنتهي بدعم كل أشكال الصمود في مواجهة العدوان، فلبنان يستحق أكثر من شجبٍ عاجز، وشعبه أولى بمَن يدافع عن حقوقه لا بمَن يتفرج على انتهاكها
ماذا يريد العدو الصهيوني؟
ليست أهداف العدو الصهيوني خافيةً على أحد، فعدوانه المتكرر على لبنان يأتي لتحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية التي تسعى إلى تغيير موازين القوة لمصلحته، فهو يحاول من خلال عدوانه إعادة ترسيم قواعد الاشتباك وفق معادلة تخدم مصالحه، معتمداً على سياسة الترهيب الممنهج لبث الرعب في نفوس المدنيين وإضعاف الروح المعنوية للشعب اللبناني الصامد، كما يسعى جاهداً إلى فرض معادلة جديدة تقيّد حركة المقاومة وتحدّ من قدراتها، ظناً منه أنه بذلك يستطيع كسر إرادة اللبنانيين في الدفاع عن أرضهم وكرامتهم.
لكن حسابات العدو تصطدم بواقع لبنان الصلب، حيث أدرك الشعب اللبناني، من خلال تجارب مريرة متتالية، أن المقاومة ليست مجرد خيار بين عدة خيارات، بل هي شرط وجود واستمرار، وضمانة حقيقية للدفاع عن الأرض والعرض، فالمقاومة، التي أثبتت فاعليتها عبر السنوات، أصبحت جزءاً لا يتجزأ من هوية لبنان وصموده في وجه المشاريع التوسعية للعدو.
في النهاية، في هذا المنعطف التاريخي الحاسم، يجب أن يكون الموقف واضحاً ولا لبس فيه، إن سلاح المقاومة في لبنان ليس سلعةً قابلةً للمساومة، ولا يمكن أن يكون ورقةً في أي صفقة سياسية أو ضغوط دولية، فالتجربة اللبنانية مع العدو الصهيوني، منذ عام 1948 وحتى اليوم، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا العدو لا يعترف إلا بمنطق القوة، وأن كل الوعود والضمانات الدولية تتحول إلى حبر على ورق عند أول اختبار ميداني.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يتوجب على اللبنانيين أن يتكاتفوا حول الثالوث الوطني المتين: "الجيش، الشعب، المقاومة"، فهذه المعادلة هي الضامن الحقيقي للوطن الحر السيد المستقل، وأي محاولة للنيل من هذه المعادلة، سواء جاءت من دواخل وطنية ضعيفة النفوس أو من ضغوط خارجية، إنما تخدم في النهاية المشروع الصهيوني وأطماعه التوسعية في أراضينا ومياهنا ومقدراتنا ،إن الشعب اللبناني، الذي سقى ترابه بدماء شهدائه الأبرار، لن يقبل بأن تذهب تضحياته سدى، وهو الذي خاض غمار المقاومة دفاعاً عن وجوده وكرامته، لن يسمح لأحد بمساومة حقوقه أو النيل من سيادته، وستبقى المقاومة، مهما اشتدت العواصف، راية الكرامة والعزة الوطنية، وستظل الضاحية والجنوب وكل شبر من أرض لبنان عصية على الانكسار، صامدة في وجه العدوان، شامخة كأرزها العريق، تنظر إلى المستقبل بعين الرجاء والأمل.