الوقت- وصلت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إلى العاصمة التركية أنقرة اليوم السبت في زيارة خاطفة ليوم واحد، وكانت المتحدثة باسم ماي قد أعلنت أن هدف الزيارة تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية، وقد التقت ماي نظيرها التركي بن علي يلديريم، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقد تحدث الاثنان في مؤتمر صحافي مشترك بعد اللقاء أكد خلاله أردوغان على نية الطرفين الجدية تعزيز العلاقات الاقتصادية لتصل الى ما يناهز 20 مليار دولار سنويا، كما جرى عرض لآخر التطورات في الملفات الاقليمية التي تهم الطرفين، حيث عرضا التطورات في الساحة السورية والعراقية، إضافة إلى عرض نتائج محادثات الاستانة التي جمعت الحكومة السورية إلى الأطراف المعارضة، وقد أشادت ماي بدورها بالعلاقات الاقتصادية والسياسية التي تجمع البلدين مؤكدة اهتمام حكومتها بتعزيز هذا التعاون في المستقبل.
وكان اللافت في هذه الزيارة أنها أتت غداة زيارة ماي إلى البيت الأبيض، ولقائها بالرئيس الأمريكي الجديد كأول ضيف خارجي، كما أنها استبقت زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى أنقرة المقررة في الثاني من شباط يناير القادم. وما بين الزيارتين الكثير من المؤشرات التي يمكن قراءتها في الحراك البريطاني ما بعد البريكست.
حيث أن حكومة البريكست التي ترأسها ماي، قد وعدت ببدأ مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي قبل آذار المقبل، ولذلك الغرض ترغب بتعزيز روابطها التجارية والاقتصادية مع قوى خارج الأتحاد الأوروبي، وذلك لتعزيز وضعها بمعزل عن دول الاتحاد الأوروبي، وتركيا تعتبر حليف قديم لبريطانيا، وكانت داعم أساسي لتركيا في الدخول إلى الاتحاد، مقابل ضغط أوروبي-ألماني رافض لأسباب تتعلق برعاية معايير حقوق الانسان في أوروبا.
لكن يبدو أن الحكومة البريطانية وعلى رأسها ماي حاضرة للتضحية بكل هذه المعايير مقابل تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فزيارة ماي جاءت تتويجا لعشرات الزيارات لمسؤولين بريطانيين منهم وزير الخارجية الذي زار أنقرة الشهر الماضي، هذا وقد تعرضت ماي لانتقادات واسعة في الداخل البريطاني ازاء هذه الزيارة، خاصة أن تركيا تخوض حملة تطهير واسعة في البلاد اثر محاولة الانقلاب الفاشل في 15 تموز يوليو الماضي.
ومن هذه الانتقادات ما كتبته النائبة الليبرالية الديمقراطية "سارة أولني" في صحيفة الغارديان أن "حكومة البريكست المحافظة مستعدة لأي شئ مقابل توقيع اتفاقات تجارية مع دول غير الانظمة الديمقراطية الأوروربية، إلى درجة تحاول إستمالة حتى أسوأ القادة" في إشارة واضحة إلى الرئيس التركي "أردوغان".
وفي نفس السياق دعت منظمة "بي آي إن" الدولية، التي تضم كتّابًا يدافعون عن حرية التعبير، ماي إلى إثارة "الانتهاكات الخطيرة" التي تُرتكب برأي المنظمة في ظل حالة الطوارئ المعلنة في تركيا منذ الانقلاب الفاشل قبل أشهر.
طبعا، الهم الاقتصادي البريطاني كان قاسما مشتركا بين زيارة ماي الأخيرة لأمريكا ولقائها بترامب، وزيارتها لأنقرة. أما القاسم الآخر فهو محاولة استمالة الطرفين إلى استمرار التحالف التاريخي مع بريطانيا، وسط مؤشرات أمريكية ترامبية إلى سعي لتحسين العلاقات الروسية الأمريكية وهو ما يعتبره المحافظون في بريطانيا خطر كبير يهدد مصالحهم التاريخية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مرحلة التباعد السابق بين أنقرة وموسكو، أثار شهية لندن للّعب على هذا الوتر، والسعي لتعزيز الشرخ الموجود بين الطرفين بسبب الحرب الدائرة في سوريا، مما يعزز العلاقات الثنائية ويجعلها ملجأ تركيا المستقبلي.
ومن الملاحظات المهمة القاسم المشترك الآخر بين زيارة ماي لواشنطن وأنقرة، وهي لعب دور ما في الخطة الأمريكية لفريق البيت الأبيض الجديد الرامي لتقليص النفوذ الايراني في المنطقة. وهذا الأمر يتقاطع أيضا مع ما سمعته ماي من هجوم على ايران أثناء زيارتها منذ أشهر للدول الخليجية ومشاركتها في اجتماع لهم.
خلاصة الحديث، من الواضح أن رئيسة الوزراء البريطانية المحافظة تيريزا ماي، وبالتزامن مع تعزي اقتصادها، تحلم باسترجاع دور بريطانيا التاريخي في المنطقة من خلال اللعب على الملفات المتأزمة، ويبدو أن عدوى "ترامب" بدأت بالتفشي وسط السياسيين البريطانيين، حيث لا شيء ممنوع في سبيل تحقيق الهدف، ولو اضطرت أن تدوس على دول الاتحاد الأوروبي وأن تساعد في إبادة شعب بأكمله من أجل إرضاء العثمانيين الجدد وتحقيق مصالحها. هنا أستدرك ما قلته حول عدوى "ترامب" فالبريطانيين هم أصحاب باع طويل في مضمار الفتن واللاإنسانية، وعلى الأرجح أنه (ترامب) قد ورث ما هو عليه من جينات انكليزية تجري في عروقه.