الوقت - في مطلع تسعينات القرن الماضي وتحديداً بعد حرب الكويت سعى أكراد العراق إلى إقامة إقليم خاص بهم يشمل محافظات أربيل ودهوك والسليمانية.
وقد ساعد على إنشاء هذا الإقليم قرار مجلس الأمن الدولي "688" بإقامة منطقة حظر جوي فوق البقعة الجغرافية الممتدة من خط العرض 36 شمالاً حتى خط العرض 32 جنوباً.
وفي أواخر عام 1996 تم توسيع منطقة الحظر إلى خط 33. وأتى هذا التوسيع بعد دخول وحدات من الجيش العراقي السابق محافظة أربيل التي كانت واقعة ضمن منطقة الحظر لحسم نزاع داخلي بين الأكراد.
وبعد سقوط نظام صدام في عام 2003 تكرست فكرة إقامة إقليم كردستان العراق. ومما ساعد على ذلك النص الوارد في دستور العراق الجديد والذي أقر عام 2005 والذي صرّح بأن منطقة كردستان هي عبارة عن إقليم في إطار العراق الفيدرالي الموحد.
وبعد احتلال تنظيم "داعش" الإرهابي لمناطق كثيرة من العراق في منتصف عام 2014 وفي مقدمتها مدينة الموصل تفاقمت المشاكل بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد حول ما يسمى المناطق المتنازع عليها خصوصاً مدينة كركوك الغنية بالنفط، بالإضافة إلى مشكلتي توزيع الثروات وحصة الإقليم من ميزانية الدولة العراقية.
ورغم مساعي قادة إقليم كردستان لإعلان الاستقلال عن العراق إلاّ أن هذا الأمر لم يتحقق لعدّة أسباب داخلية وخارجية.
فمن جهة تعارض جميع الدول الإقليمية استقلال كردستان العراق، والطراف الوحيد الذي يشجع على استقلال هذا الإقليم هو الكيان الإسرائيلي فقط.
وحتى أمريكا الداعم الرئيس لإقليم كردستان لا تشجع في الوقت الحاضر على إعلان استقلال الإقليم لاعتقادها بأنه سيربك خططها الأمنية والعسكرية في المنطقة لاسيّما في سوريا والعراق.
ومن جهة أخرى هناك خلافات بين الأحزاب الكردية الرئيسية حول هذا الموضوع لاسيّما بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الإقليم "مسعود بارزاني" وحزب الاتحاد الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السابق "جلال طالباني".
بالإضافة إلى ذلك يعارض العرب خصوصاً الشيعة استقلال إقليم كردستان لاعتقادهم بأن حصول هذا الأمر سيؤدي إلى تقسيم العراق، فيما يعتقد السنّة بأن مدينة كركوك التي تضم العرب والأكراد والتركمان ستكون من حصة الإقليم، وبالتالي فإن هذا سيمنعهم من ضم هذه المدينة إلى الإقليم الذي يفكر الكثير من قادتهم بإقامته على غرار إقليم كردستان.
وتعتقد الحكومة المركزية في بغداد بأن استقلال إقليم كردستان من شأنه أن يهدد وحدة وأمن واستقرار العراق لوجود نوايا لدى أطراف أخرى لاسيّما السنّة بإقامة إقليم مماثل خصوصاً وأن البلد لا زال يتعرض لتهديد أساسي يتمثل بوجود الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش".
ويبدو أن قادة إقليم كرستان لاسيّما قادة الحزب الديمقراطي قد خففوا الآن من دعواتهم لإعلان استقلال الإقليم لإدراكهم بأن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية لم تعد ملائمة لتحقيق هذا الأمر في ظل الأزمات المتعددة التي يواجهها العراق في الوقت الحاضر اقتصادياً وسياسياً وأمنياً.
ولا زال إقليم كردستان العراق يواجه تحديات اقتصادية كثيرة برزت بشكل واضح من خلال أزمة رواتب موظفي الإقليم والتظاهرات التي نظمتها مختلف القطاعات ومن بينها قطاع التعليم للمطالبة بصرف هذه الرواتب وزيادة الأجور، بالإضافة إلى التهديدات الأمنية التي نجمت في وقت سابق عن وجود الجماعات الإرهابية لاسيّما "داعش" بالقرب من الحدود الإدارية للإقليم وتحديداً من جهة مدينة الموصل التي لاتزال أجزاء منها بيد عناصر هذا التنظيم.
ويخشى قادة إقليم كردستان من إعلان استقلال الإقليم حتى في الظروف الاعتيادية لعلمهم برفض القوميات العراقية الأخرى لهذا الأمر لاسيّما العرب والتركمان خصوصاً الشيعة والسنّة للأسباب التي أشرنا إليها آنفاً.
ولم يعد قادة كردستان يفكرون حتى بإجراء تصويت داخل الإقليم لاستبيان مدى رغبة سكّانه في الاستقلال عن العراق بسبب الظروف المعقدة والشائكة التي يعيشها البلد والمنطقة برمتها في الوقت الحاضر.
وقد صرّح الكثير من الشخصيات السياسية العراقية بمعارضتهم لاستقلال إقليم كردستان لمعرفتهم بأن هذا الأمر سيمهد الأرضية لتفكك العراق جغرافياً وقومياً وسياسياً في وقت بات فيه البلد بأمسّ الحاجة إلى الوحدة وتماسك الصف الوطني لمواجهة خطر الإرهاب من جهة، وإعادة بناء البلد الذي دمرته النزاعات والخلافات السياسية طيلة السنوات الماضية من جهة أخرى. كما يعتقد معظم العراقيين بأن استقلال الإقليم سيضعف من مكانة العراق الإقليمية والدولية خصوصاً في ظل التحديات التي تواجهه بسبب الإرهاب والأزمة الاقتصادية ومحاولات التدخل في شؤونه من قبل أمريكا والدول الحليفة لها في المنطقة.