الوقت- بعد توصل ايران والمجموعة السداسية الدولية مؤخراً الى اتفاق مبدئي لتسوية الازمة بشأن برنامج ايران النووي في مدينة لوزان السويسرية، والذي اعترفت فيه الدول الكبرى بحق ايران في امتلاك التقنية النووية السلمية وتعهدت برفع الحظر عنها مقابل التزامها بالشفافية والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، أعرب الملك السعودي سلمان بن عبد العزير خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن أمله بالتوصل إلى اتفاق نهائي وملزم بين طهران والسداسية يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم .
كما اعتبر رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اتصال مماثل مع الرئيس الامريكي اتفاق لوزان بأنه يشكل خطراً على الكيان الاسرائيلي، ودعا طهران الى الاعتراف رسميا بما أسماه حق هذا الكيان في الوجود، في وقت يعلم الجميع ان الجمهورية الاسلامية في ايران تعتقد اعتقاداً جازماً بأن الكيان الاسرائيلي هو غدة سرطانية ولابد من استئصالها.
ورغم محاولة اوباما تهدئة نتنياهو وبيان موقفه ازاء اتفاق لوزان وتأكيده له بشأن التزام واشنطن بالدفاع عما أسماه " أمن إسرائيل " ، الا ان هذا التأكيد لم يخفف من غضب وقلق نتنياهو حسبما أوضح البيت الأبيض .
والتساؤل الذي يُطرح هنا يدور حول مدى مصداقية السعودية في السعي لحفظ امن واستقرار المنطقة في وقت تسعى فيه الرياض وكما يعرف الجميع الى شراء اسلحة متطورة بعشرات المليارات من الدولارات لاسيما من امريكا وفرنسا لتكون في طليعة البلدان المستوردة للسلاح في العالم، إضافة الى ما تقوم به الرياض من تقديم الدعم اللامحدود للجماعات الارهابية كـ "داعش " و " القاعدة " التي ترتكب جرائم بشعة يندى لها جبين الانسانية ضد شعوب المنطقة خصوصاً في العراق وسوريا .
واذا كانت السعودية جادة فعلاً في حفظ أمن واستقرار المنطقة كما تدّعي ، فلماذا تهاجم اليمن - البلد الفقير والمنهك اقتصادياً - بحجة الدفاع عن الشرعية في هذا البلد ؟! ولماذا ترسل الرياض قواتها العسكرية الى البحرين لقمع شعبها ومنعه من المطالبة بحقه المشروع في تقرير مصيره والعيش بحرية وكرامة ؟! ولماذا يدعم النظام السعودي الجماعات التكفيرية والمتطرفة في لبنان ويساعدها في قتل القيادات اللبنانية الوطنية المخلصة، ويحرص على دعم سياسيين غير مؤهلين ولا نزيهين بالاموال الطائلة وعبر وسائل الإعلام كي يتسلموا مناصب حساسة وخطيرة في هذا البلد .
واذا كانت الرياض صادقة فعلاً في ترحيبها باتفاق لوزان وسعيها لتعزيز الامن والاستقرار في المنطقة، فلماذا يعلن وزير خارجيتها سعود الفيصل عن نية بلاده التزود بالسلاح النووي ، وهو ما كشفه أيضاً موقع المدينة نيوز الإخباري نقلا عن صحيفة هآرتس الإسرائيلية في ديسمبر الماضي، عندما أشار الى وجود وثيقة خاصة بـ CIA تؤكد أن السعودية ستبادر لشراء قنبلة نووية من باكستان أو من دولة اخرى إذا لم يتم وقف برنامج ايران النووي ؟! ولماذا يؤكد السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير في لقاء مع شبكة " CNN " الأمريكية أن بلاده ستبني برنامجها النووي الخاص وستصنع قنبلتها النووية لمواجهة ما أسماه تهديد ايران النووي .
هذه التصريحات السعودية وغيرها جاءت متناغمة ومنسجمة تماماً مع التصريحات والمزاعم الاسرائيلية التي وصفت اتفاق لوزان بين ايران والدول الست الكبرى بأنه سيء للغاية كما ورد على لسان وزير الشوؤن الاستراتيجية في حكومة الكيان الاسرائيلي يوفال شتاينتز
وعن الاسباب التي دعت الكيان الاسرائيلي والسعودية الى اتخاذ هذا الموقف من اتفاق لوزان يمكن الإشارة الى ما يلي:
1- الاعتراف الرسمي من قبل الدول الكبرى لاسيما الغربية وفي مقدمتها أمريكا بحق ايران في امتلاك التقنية النووية السلمية، أغاظ الرياض وتل ابيب خصوصا وان الاتفاق اعترف ايضاً بحق طهران بتخصيب اليورانيوم لتوفير ما تحتاجه من الطاقة النووية السلمية داخل اراضيها .
2 – الاتفاق النووي مهّد الارضية لتوسيع العلاقات بين ايران والدول الغربية في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية، وهذا الأمر أغضب السعودية والكيان الاسرائيلي أيضاً كونه يعد انتصاراً ومكسباً مهماً لإيران لا يروق للرياض وتل أبيب ان تحققه طهران من خلال إبرامها اتفاق لوزان مع السداسية الدولية .
3 – تخشى السعودية والكيان الاسرائيلي من زيادة قدرات ايران الاقليمية واتساع نفوذها في المنطقة الذي اكتسبته بما حققته من إنجازات كبيرة ومهمة في كافة المجالات السياسية والامنية والتي تجلت ثمارها بوضوح من خلال دعمها الثابت والمتواصل لقوى المقاومة التي تتصدى ببسالة للمشروع الصهيو امريكي في المنطقة ووقوفها المبدئي الى جانب الشعوب المظلومة ضد الجماعات الارهابية والتكفيرية لاسيما في العراق وسوريا ولبنان واليمن .
هذه الاسباب وغيرها هي التي دعت السعودية والكيان الاسرائيلي الى معارضة إبرام اتفاق لوزان رغم الترحيب الظاهري الذي أبدته الرياض ازاء هذا الاتفاق . فهذا الترحيب بحسب اعتقاد أغلب المراقبين يرمي في الحقيقة الى خلط الاوراق وذر الرماد في العيون للتغطية على الجرائم البشعة التي يرتكبها النظام السعودي في الوقت الحاضر لاسيما ضد الشعب اليمني الصامد .