الوقت- كثيرة هي المخاطر التكفيرية على القضيّة الفلسطينية، وبعد أن استعرضنا في مقال سابق هذه المخاطر من وجهة نظر داخلية فلسطينية بعنوان "التغلغل التكفيري في فلسطين ومخاطره على القضيّة"، سوف نتعرّض في هذا الفصل إلى مخاطر الظاهرة نفسها، ولكن من وجهة نظر خارجية. أقصد هنا مخاطر ظاهرة التكفير الإقليمي على فلسطين.
لا شكّ أن وصول ظاهرة التكفير إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة ستكون القشّة التي يريد بها الغرب، وبعض أعوانه الإقليميين، قصمُ ظهر القضيّة، إلاّ أن للتواجد التكفيري في المنطقة وطفرته الحاليّة مخاطر جمّة، نذكر بعضها:
أوّلاً: تشكل ظاهرة التكفير خطراً جسيماً على القضية الفلسطينية يؤدي إلى نسيانها وتهميشها، كما أنّها تشجّع الكيان الإسرائيلي على ممارسة المزيد من عمليات البطش والتنكيل بالشعب الفلسطيني.
ثانياً: يعد الفكر التكفيري أحد أبرز العقبات التي تعترض وحدة المسلمين، رغم أنّ هذه الظاهرة فتكت بالسنّة أكثر ما هو من بالشيعة، فضلاً عن كون هذا "الوباء" يشكّل حاجزاً أمام ما تصبو إليه الأمة من بناء "الحضارة الإسلامية الحديثة".
ثالثاً: من أبرز مخاطر ظاهرة التكفير هي فصل فصائل المقاومة في فلسطين عن محورها، ودفعها نحو دول عربية وإقليمية تهادن الكيان الإسرائيلي. كل هذا يأتي نتيجةً لمحاولات تهدف لحذف الكيان الإسرائيلي من صدارة الأعداء التي تتربّص بنا، وتحويل هذه العداء إلى وِجهةٍ أُخرى.
رابعاً: من مخاطر ظاهرة التكفير، التي نعيشها اليوم، أن يحضر مراسل القناة العاشرة الإسرائيلية موآف فاردي في بث مباشر لتغطية حادثة اغتيال الشهيد المهندس محمد الزواري من قبل وزارته. ورغم أنّه لم يتبين كيف دخل الصحفي الإسرائيلي إلى تونس وإن ما زال متواجداً هناك حتى ساعة بث تقريره فهذا يدلّ على حجم المعاناة التي نعيشها اليوم، والتي سمحت لرجل إسرائيلي في تفقّد جريمة الموساد وعلى العلن!
خامساً: من مخاطر ظاهرة التكفير أيضاً، أن تشنّ الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس في قطاع غزة، حملة اعتقالات ضد شخصيات قيادية في حركة "الصابرين" على خلفية مواقفهم من الأحداث الجارية في مدينة حلب السورية. فبدل أن تكون فصائل المقاومة مجتمعة، ها هي تلاحق بعضها، والسبب ظاهرة التكفير.
سادسا: ليس كلّ ذلك فحسب، بل هناك مشروع واضح يهدف لثني الرأي العام العربي المقاوم عن موقفه من القضيّة الفلسطينية عبر العبث بالأمن والإستقرار، وبالتالي إشغال الشعوب المقاومة بالفوضى والإرهاب الداخلي الذي يعتريها، وهو ما يعني انشغالها عن فلسطين على قاعدة "فاقد الشيئ لا يعطيه"، فكيف لشعوب لا تملك الأمن والإستقرار، أن تحقّقه للشعب الفلسطيني. في بعض الدول كمصر والأردن كانت الاستراتيجية مختلفة، وذلك عبر توجيهه التهم، المباشرة وغير المباشرة، إلى بعض فصائل المقاومة بالتورّط في التفجيرات الإرهابية. وبالفعل، ارتفع منسوب العداء لحركة حماس في مصر بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة. إذا اتضح بعض مخاطر ظاهرة التكفير على القضيّة الفلسطينيّة، فماذا عن الخطوات اللازمة؟
حاجات ملحّة
في الإجراءات الطوارئية لظارهة التكفير، لا سبيل سوى المواجهة المسلّحة الشاملة، بعدها سنكون قادرين على الإنتقال إلى مرحلة العلاج الطويل، منها:
أوّلاً:اتخاذ كافّة ما يلزم لسدّ الطريق أمام كل هذا التآمر الجديد على قضيتنا المصيرية، الامر الذي يفرض على الأمّة أن تصعّد اهتمامها بالقضية الفلسطينية.
ثانياً: لعلّه من أبرز أهداف الجماعات التكفيرية ومن يقف خلفها، تشويه ما تقوم به المقاومة من أجل القضية الفلسطينية لذلك ينبغي توعية الأمة على هذا الخطر الداهم.
ثالثاً: لا بد أن يبقى الكيان الإسرائيلي العدو الرئيسي للأمتين العربية والاسلامية، وكل المحاولات لتغيير هذه الحقيقة، ستنتهي بالفشل، ليس ذلك فحسب، إنّما بإلحاق الضرر بالحكومات والأنظمة التي تسير على هذا الطريق.
في الخلاصة، إن المرحلة التي تمرّ بها منطقتنا هي الأخطر، ولا نبالغ إذا قلنا أنّ مرحلتنا هذه هي الأخطر منذ العام 1948.