الوقت - كثيرة هي التحدّيات التي تواجه الفلسطينيين في وطنهم وقضيّتهم. فالإجراءات التعسّفية التي يقوم بها الكيان الإسرائيلي في الضفّة، والحصار الاقتصادي في غزّة، إضافةً إلى الخلافات القائمة بين الفصائل الفلسطينيّة، أبرزها.
ومن هذه التحدّيات أيضاً، تخلي العديد من الجيران العرب عن الشعب الفلسطيني الذي يريده نتنياهو لقمةً سائغة أمام جيشه. إلا أن هناك تحدّياً كبيراً قد يغفل عنه البعض، وهو التكفير الذي يستخدمه العدو لتشتيت المسلمين وابعادهم عن فلسطين.
لا شكّ أن هناك أرضيّة مناسبة لظهور هذا الفكر في فلسطين سواءً بسبب انخراط بعض الفلسطينيين من سكّان سوريا ولبنان في صفوف هذه الجماعات، أو بسبب الفقر التي تستغلّه الجماعات التكفيرية لجذب الشباب العاطلين عن العمل عبر الخطاب الحماسي الذي تهواه أذانهم، وفي حال حصلت هكذا خطوة، ستعمل هذه الجماعات ابتداءً على إيجاد الشرخ بين فصائل المقاومة ومحورها في سوريا ولبنان وإيران.
أينما حلّ التكفير حلّ الخراب، والشواهد كثيرة على ذلك، بدءاً من أفغانستان، مروراً بالعراق وليبيا ووصولاً إلى سوريا واليمن، ولكن وقع التكفير في فلسطين سيكون أكبر من ذلك بكثير، لأسباب عدّة نذكر منها:
أوّلاً: إن أكثر ما تحتاجه القضيّة الفلسطينية هي توحيد البندقيّة نحو الكيان الإسرائيلي، وفي حال سطوع نجم الجماعات التكفيرية في فلسطين، فهذا يعني أن القضيّة ستكون على الرف ليس ذلك فحسب، بل إن قاعدة قتال الأقرب لهذه الجماعات يفتح حرباً داخليةً في الأراضي الفلسطينية، يكون الكيان الإسرائيلي هو المستفيد الأوّل والأخير.
ثانياً: وفي حال عزّزت الجماعات التكفيرية دورها، ستكون في مواجهة الفصائل المقاومة، وبمساندة إسرائيلية، كما هو الحال اليوم في الجنوب السوري. وبالتالي، لا نستبعد أن يطبق هؤلاء فتاوى التكفير على كل فصائل المقاومة تحت شعارات عدّة، أبرزها الوقوف إلى جانب محور المقاومة.
ثالثاً: وأمّا في الشقّ الإسرائيلي، ستعمد السلطات الإسرائيلية إلى ما تفعله اليوم في الجنوب السوري عبر دعم هؤلاء في مواجهة الداخل الفلسطيني وتصفية كل من تسوّل له نفسه مهاجمتها. ليس ذلك فحسب، بل ستحاول من خلال بعض الضربات الطفيفة لهذه الجماعات إظهار نفسها كدولة محاربة للإرهاب على الصعيدين الإقليمي والدولي علّها تنجح في مسح صفحتها السوداء. لا حديث عن دولتين، أو حتّى أي شيء من هذا القبيل، بل ستكون هذه الجماعات بمثابة طبق من ذهب يسمح للإسرائيلي بتحقيق كافّة ما فشل في تحقيقه منذ عشرات السنين.
رابعاً: وأما على الصعيد العربي، فستخسر القضية الفلسطينية الكثير من الدول التي تتّسم موقفها بالريبة، وتحاول إظهار نفسها كدول اعتدال في المنطقة. قد يتخلّى البعض بشكل كامل عن القضيّة الفلسطينية، وربّما يعلن دعمه للموقف الإسرائيلي تحت شعار مكافحة الإرهاب، وفي حال أرادت بعض الأنظمة مراعاة شعور شعبها، ستفرض بعض الشروط التعجيزيّة التي تسعى لإفراغ القضيّة من محتواها. لا نستغرب أن تلجأ هذه الجماعات إلى استهداف دول الطوق وتحديداً مصر والأردن، لتغليب الرأي العام في هذه الدول ضدّ هؤلاء الذي سيرفع بعضهم شعار العداء للكيان الإسرائيلي ولكن مع وقف التنفيذ، أي عدم إطلاق حتّى رصاصة واحدة على الجانب الإسرائيلي.
خامساً: كل ما أسلفناه هو على الصعيد الداخلي في فلسطين المحتلّة والمحيط العربي، إلا أن تداعيات هذه الجماعات التكفيرية على القضية الفلسطينية في الخارج ستكون أكثر حرجا. سيخلط أصدقاء الكيان الإسرائيلي الحابل بالنابل، لتحويل كافّة فصائل المقاومة إلى جماعات إرهابيّة، وربّما إجرامية، لا نسمع حينها باللجنة الدولية، بل ستعلو أصوات معادات السامّية في الغرب، والتي قد تكون مقدّمة لتشتيت بقيّة الشعب الفلسطيني، أو احتلال ما تبقى من فلسطين المحتلّة، تحت شعارات مكافحة الإرهاب. والمستوطنات الإسرائيلية ستصبح شرعيّةً في كافّة دول الغرب، وكل الحركات التي نجح الفلسطينيون في إيجادها في الغرب خلال العشرين سنة الأخيرة ستسقط دون رجعة.
إذاً، التحدّي الكبير الذي ينتظره الفلسطينيون في حال غفلتهم عنه ليس بالأمر السهل، فهناك من يريد نقل التجربتين العراقيّة والسورية إلى فلسطين دون المساس بالكيان الإسرائيلي. يجب التصدي الحازم لتغلغل التكفيريين في فلسطين المحتلة، لأن مهمة هذه العصابات تتمثل في إثارة الفتنة، كما أن الفتنة تتطلّب وعياً ويقظةً وحزماً تاماً لمواجهتها. وسبيل المقاومة هو أفضل السبل لمواجهة هذه الفتنة، وتحرير القدس.
ندعو جميع القيادات الفلسطينية المقاومة، السياسية والعسكرية، إلى توخّي الحذر من الفتنة التي يعدّها البعض للشعب الفلسطيني، وهذا ما أشار إليه قائد الثورة الإسلاميّة آية الله السيد علي الخامنئي خلال استقباله الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور رمضان عبدالله شلّح على هامش مؤتمر الوحدة الإسلاميّة في طهران، مشدّداً على ضرورة مواجهة تغلغل الجماعات التكفيرية في فلسطين والتي تهدف لخلق الفتن.