الوقت – بعد ان أنهت بريطانيا تواجدها العسكري المباشر والعلني في الخليج الفارسي في عام 1971 عقدت اتفاقا مع البحرين التي إنفصلت عن ايران تحت عنوان اتفاق الصداقة بهدف تقديم الاستشارة في الاوقات الضرورية، وهكذا نجحت لندن لإيجاد موطئ قدم لها في الخليج الفارسي عند الضرورة.
وبما ان منطقة غرب آسيا والخليج الفارسي اصبحتا محط إهتمام عالمي فإن بريطانيا تسعى بدورها ايضا الى ان يكون لها تواجد عسكري ومباشر في الخليج الفارسي منذ عام 2012، كما نجد بأن لندن تحاول اليوم ايضا من اجل كسب دائرة نفوذ لنفسها في هذه المنطقة، والسؤال الذي يطرح الان هو "ما سبب عودة بريطانيا الى الخليج الفارسي في الوقت الراهن؟"
وفي الحقيقة يمكن القول ان تواجد بريطانيا في المنطقة نابع من السياسات العامة لهذا البلد والتماشي مع السياسات الإقليمية الأمريكية في الخليج الفارسي.
ان امريكا لاتُعرف اليوم كبلد قوي ومهيمن بل ان دولا أخرى مثل الصين وروسيا اصبحوا منافسين رئيسيين لأمريكا، وبما ان الإهتمام الأكبر للأمريكيين قد أصبح القضايا الإقتصادية في النظام الدولي فالصين تعتبر منافسة هامة لأمريكا، وقد اصدر الأمريكيون استراتيجيتهم العسكرية الجديدة في يناير 2012 تحت عنوان "اعادة النظر في الاسترتيجية الدفاعية" جاء فيها: ان الصين على المدى الطويل ستظهر كقوة إقليمية وسيصبح بامكانها تهديد الاقتصاد والأمن الأمريكيين بطرق مختلفة وهذا القلق ليس نابعا من فراغ لأن الصين تمتلك أكبر عدد للسكان في العالم ونموا اقتصاديا سريعا وضع في خدمة القوة العسكرية ويمكنه منح قوة كبيرة لهذا البلد وهذا يمكن ان يغير موازين القوى لصالح الصين في شرق آسيا ويضعف مكانة أمريكا وحلفائها أي كوريا واليابان، ان الميزانية العسكرية الصينية التي كبرت باستمرار خلال السنوات الماضية وكذلك برامج الصين لتحديث قطاعاتها العسكرية زاد من القلق الامريكي.
ان امريكا تعتبر ان زيادة الميزانية العسكرية الصينية خلال السنوات الماضية تعني ان بكين تسعى للهيمنة على دول شرق آسيا وحلفاء امريكا وان هذا البلد ستضغط على امريكا في المستقبل لإخراجها وطردها من شرق آسيا تماما كما فعلت أمريكا ازاء الاوروبيين في القرن 19 في المناطق الغربية من العالم، ولذلك تنوي امريكا الان تقليص تواجدها في الشرق الاوسط والخليج الفارسي وزيادة التركيز على شرق آسيا.
ويمكن القول ان امريكا ومن اجل احتواء القوة الصينية باتت مجبرة على تفويض قسم من مهامها الى حلفائها مثل بريطانيا في الخليج الفارسي لأن هذه المنطقة تؤمن القسم الاكبر من المواد الخام والايرادات الاقتصادية لواشنطن ولندن.
ان امريكا أدركت جيدا انها ليست قادرة لوحدها ان تحقق أهدافها ونظرا الى التواجد الروسي في المنطقة فإن امريكا باتت محتاجة الى حليف رئيسي اضافة الى الدول العربية لكي تثبت تواجدها في الخليج الفارسي.
ان بريطانية هي بحاجة ماسة الى مصادر الطاقة الموجودة في الخليج الفارسي فهذا البلد استوردت لوحدها في عام 2012 اكثر من 400 مليون جنيه استرليني من النفط الخام من الشرق الاوسط، وفي هذا العام ايضا استوردت بريطانيا 30 بالمئة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال عبر البحر واصبحت قطر أهم مصدر للغاز الطبيعي المسال الى بريطانيا، ويضاف الى هذا قلة الامكانيات المالية في داخل الاتحاد الاوروبي والأزمات الاقتصادية وتشديد التنافس السياسي في داخل الاتحاد الاوروبي والفارق الكبير بين بريطانيا ودول الاتحاد وكذلك أزمات الانفصال في اسكوتلندا وويلز وايرلندا الشمالية والمخاطر الناجمة عن الاحتجاجات والخروج من الاتحاد الاوروبي وعشرات الاسباب الأخرى لكي ترسل بريطانيا جيوشها الى الخليج الفارسي بهدف الهيمنة والسيطرة على الثروات الطبيعية ونهبها.
واخيرا يجب القول ان بريطانيا جاءت هذه المرة الى الخليج الفارسي من اجل تواجد طويل الأمد فهي من جهة تريد تأمين مصالحها في الخليج الفارسي ومن جهة أخرى تريد المساهمة في استكمال الدور الامريكي كأهم حلفائها في وجه باقي المنافسين مثل الصين وروسيا.