الوقت - قام رئيس الوزراء السويدي "ستيفان لوفن" مؤخراً بزيارة رسمية إلى السعودية على رأس وفد سياسي واقتصادي رفيع ضم أيضاً أبرز تجار السلاح السويديين بينهم "جيكوب ولينبرغ" وذلك بعد نحو عام ونصف من الأزمة الدبلوماسية بين البلدين على خلفية انتقاد وزيرة الخارجية السويدية "مارغوت والستروم" طريقة تعامل السلطات السعودية مع المدون "رائف بدوي".
ويعتقد المراقبون بأن هذه الزيارة جاءت استجابة لمطالب أمريكية بضرورة تقديم الدعم للسعودية بعد ارتفاع الأصوات الغربية المنددة بدور الرياض في دعم الجماعات الإرهابية لاسيّما "داعش" بالمال والسلاح في الشرق الأوسط والعالم برمته. وهذه الإدانات قد وصلت إلى العلن داخل أمريكا نفسها من بينها ما أكده السناتور "ريتشارد بلاك" بإشارته إلى أن السعودية تقوم بتمويل وتسليح إرهابيي "داعش".
وجاءت زيارة رئيس الوزراء السويدي إلى الرياض أيضاً في وقت تسعى فيه السويد العضو في الاتحاد الأوروبي إلى دعم موقف حلف شمال الأطلسي "الناتو" فيما يتعلق بأزمات المنطقة لاسيّما الأزمة السورية. وفي هذا السياق طالب رئيس لجنة الدفاع في البرلمان السويدي "ألان ويدمان" بإرسال الأسلحة إلى قوات إقليم كردستان العراق "البيشمركة" ودعم التحالف الأمريكي - السعودي في العراق وسوريا واليمن.
وتجدر الإشارة إلى أن زيارة رئيس الوزراء السويدي إلى الرياض تضمنت أيضاً توقيع عقود لتزويد السعودية بأسلحة حديثة ومتطورة، في حين يمنع الدستور السويدي إبرام مثل هذه العقود مع دول ديكتاتورية وجماعات تنتهك حقوق الإنسان أو تعيش حالة نزاع مع دول أو جماعات أخرى.
كما يمنع الدستور السويدي تصدير أسلحة إلى أي دولة أو جماعة دون موافقة الوكالة السويدية لحظر الانتشار النووي ودائرة تدقيق المشروعات الإستراتيجية السويدية، لكن هذا المنع لم يؤخذ بنظر الاعتبار من قبل لوبي تصدير الأسلحة الذي يقوده "جيكوب ولينبرغ" الذي خرق القانون السويدي عدّة مرات في هذا الخصوص، بينها ما حصل خلال الاتفاقية السرية التي أبرمت مع السعودية عام 2007 والتي حملت اسم "سيمون". وقد تم الكشف عن هذه الصفقة من قبل قسم الأخبار في الإذاعة السويدية (إيكوت)، ما أدى في نهاية المطاف إلى استقالة وزير الدفاع السابق "ستين توليفورش" من منصبه. ووفقاً للوثائق، قدّرت كلفة تلك الصفقة بعدّة مليارات من الدولارات.
وكان موقع "ويكيليكس" قد كشف النقاب عن هذه الاتفاقية السرية من خلال وثائقه المسربة. ومن هنا يمكن فهم السبب وراء اتهام ستوكهولم لمؤسس الموقع "جوليان أسانج"، ولماذا قام الجيش السويدي بردّ فعل غير مسبوق ضده واتهمه بـالابتزاز.
وتضمنت الاتفاقية بين ستوكهولم والرياض قيام الأخيرة ببناء مصنع يضم 35 مبنى لإنتاج الأسلحة في السعودية والتي تم الاستفادة منها فيما بعد من قبل الجماعات الإرهابية في مهاجمة سوريا. وتعد هذه الأسلحة الآن بمثابة وسائل اختبار لمدى قدرة أسلحة الناتو على مواجهة الأسلحة الروسية لأن معظم العربات المدرعة في الجيش السوري هي من صنع روسي.
وكان معهد ستوكهولم لأبحاث السلام العالمي (سيبري) قد كشف في وقت سابق عن أن واردات السعودية من السلاح قد ارتفعت بين عامي 2011 و2015 بنسبة 275% ومن بينها معدات أسلحة إلكترونية متطورة جداً ومنظومة رادارات إريا "Erieye " المصنعة من قبل شركة "ساب" للطائرات وشركة "أريكسون".
و في عام 2012 كانت السعودية المستورد الأول للسلاح من السويد، حيث بلغت قيمة المستوردات أكثر من 922 مليون كرون سويدي.
وواجهت زيارة رئيس الوزراء السويدي إلى السعودية انتقادات حادة من قبل العديد من المسؤولين السويديين بينهم رئيس حزب اليسار "يوناس شوستيد" الذي شدد على ضرورة إثارة قضية القمع والاضطهاد الذي تمارسه سلطات الرياض ضد المواطنين لاسيّما ضد النساء. وطالب "شوستيد" بالحدّ من تصدير الأسلحة للسعودية بسبب عدوانها المتواصل على اليمن منذ أكثر من عام ونصف العام والذي أدى حتى الآن إلى مقتل وجرح الآلاف من المدنيين وتدمير البنى التحتية للبلد بما فيها المستشفيات والمدارس ومحطات الطاقة وتصفية مياه الشرب ومستودعات الأغذية والأدوية.
من ناحيتها رأت "برغيتا أولسون" العضو في حزب الليبراليين السويديين أن السلطات السعودية قد سعت إلى توظيف زيارة "ستيفان لوفن" إلى الرياض لأغراض دعائية لاسيّما بعد الخلاف السياسي الذي نجم عن تصريحات وزيرة الخارجية السويدية "مارغوت والستروم" التي وصفت فيها السعودية بأنها واحدة من أكثر دول العالم وحشية.
كما رأت قيادات بارزة في حزب البيئة السويدي أن التعاون العسكري مع السعودية يتناقض مع السياسة الخارجية للسويد بضرورة دعم الديمقراطية والدفاع عن قضايا المرأة التي تنتهك بشكل واضح ومتواصل في السعودية.
وفي وقت سابق علّق عضو البرلمان الأوروبي "إيتي يوتيلاند" على قضية التعاون العسكري مع السعودية بالقول: "يجب على السويد أن لا تصدر الأسلحة إلى الأنظمة الديكتاتورية خاصة مثل بلد كالسعودية الذي تنتهك فيه حرية التعبير وتهمل حقوق النساء وتُحتكر فيه العائلة المالكة السلطة والقوة".
ويصنف النظام السعودي من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية باعتباره واحداً من أقسى الأنظمة الدكتاتورية في العالم، لأنها تقوم بشكل مستمر بانتهاك حقوق الإنسان. ولهذا تطالب هذه المنظمات حكومة السويد وغيرها من الحكومات بأن تقف ضد الأنظمة القمعية وفي مقدمتها النظام السعودي لا أن تزودها بالسلاح، لأن هذا الشيء يعد أمراً سلبياً وسيئاً للغاية ولايخدم المصالح السويدية على المدى البعيد.