الوقت - تفاوتت وجهات النظر والتحليلات الإقتصادية بشأن قرار البنك المركزي المصري المفاجئ بتعويم الجنيه، والذي يعني تحرير سعر صرف الجنيه المصري ليتحدد وفق آليات العرض والطلب.
وجاءت نظرة الحكومة المصرية حول هذا القرار متفائلة، حيث ترى أن قرار المركزي المصري سيقضي على السوق السوداء التي تنهك السوق المحلية، مبشّرة بارتفاع صافي احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي إلى ما يزيد عن 20 مليار دولار.
إلا أن آراء الخبراء الإقتصاديين مختلفة عن رأي الحكومة، معتبرين تعويم الجنيه مقابل الدولار، بأنه سيلحق بالمستهلك المصري أضرارا كبيرة، وذلك لأن مصر تستورد أكثر من 70% من إجمالي استهلاكها من جميع السلع والمنتجات، وقرار الحكومة سيؤدي الى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، مما سيؤول الى ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية.
وبلغت احتياطات مصر من النقد الأجنبي 19.6 مليار دولار في سبتمبر/أيلول الماضي، المعدل الذي ارتفع مقارنة بالأعوام السابقة.
كما قرر البنك المركزي المصري السماح للبنوك بفتح فروعها حتى التاسعة مساء، وخلال العطلة الأسبوعية لتنفيذ عمليات شراء وبيع العملة وصرف حوالات العاملين في الخارج.
وقال مصرفيون لوكالة رويترز: البنك المركزي المصري سيحرك سعر صرف الجنيه إلى 13 للدولار الواحد. وقرر البنك مواصلة حدود السحب والإيداع السابقة للشركات العاملة في استيراد السلع والمنتجات غير الأساسية.
وجاء هذا القرار بعدما تعرضت له مصر من انخفاض احتياطيها من العملات الأجنبية، جرّاء التوتر السياسي والاقتصادي الذي مرّت به مصر منذ عام 2011، الأمر الذي دفعها لطلب قرض من صندوق النقد الدولي قيمته 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، يضاف إليه مبلغ ستة مليارات دولار من الدول المانحة.
ما هو التعويم؟
الكثيرون يتساءلون عن معنى التعويم وما هي أسبابه وتداعياته على الحكومة والشعب. تعويم الجنية يعني أن البنك المركزي المصري سيتخلى عن السياسة التي كان من خلاها يعمل على إدارة سعر الصرف باستخدام أدوات من بينها عطاءات دورية لبيع الدولار للبنوك يتم من خلالها ضبط سعر الصرف. وأنه سيدع تحديد سعر العملة لقوى العرض والطلب في السوق.
ولتبسيط كلمة التعويم لابد من ذكر مثال يقرب الفكرة الى القراء، والمثال هو لو كان المستوى الحالي للسعر في السوق السوداء يصل إلى 13.6 جنيه للدولار وهو ناتج عن تفاعل العرض والطلب إلى جانب جزء من المضاربات، ولا يتدخل البنك المركزى في تحديد السعر، في حين يعني "التعويم المدار" أن يتم خفض عنيف لمستوى السوق السوداء ثم بعدها يتدخل البنك المركزى في السعر جزئيًا.
وربما جاء قرار الحكومة المصرية هذا لأن تحرير سعر الصرف هو أحد المطالب الرئيسية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي حتى يوافق بشكل نهائي على إقراض مصر الـ 12 مليار دولار التي ستنقذ اقتصادها بعد كل ماتعرضت له من ضغوطات.
نظرة الحكومة المتفائلة
وكان قد أكد رئيس جهاز حماية المستهلك اللواء "عاطف يعقوب"، أن هذا القرار سيقضي على السوق السوداء للعملات الأجنبية وفي مقدمتها الدولار.
وأشار يعقوب الى الفترة الماضية التي شهدت تكالب البعض لتجميع الدولار على اعتبار أنه سلعة وليس وسيلة، معتبرا قرارات المركزي سوف تساهم في ضبط الأسواق الى حد كبير، وسوف توقف الزيادات التي كان يفرضها بعض المستوردين على السلع بدون وجه حق.
ولكن من الممكن أن يؤدي التعويم إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع على عكس ماهو متوقع من قبل الحكومة، وذلك بسبب اعتماد اقتصاد مصر على استيراد أغلب احتياجاته من الخارج.
وجاءت أولى خطوات المركزي المصري بأن ألغى قائمة أولويات الاستيراد، ما يعني أنه لن يعمل على تسهيل توفير النقد الأجنبي للشركات المصرية التي تستورد سلعا أساسية ذات أولوية كما جرت العادة.
وليست هذه المرة الأولى التي تتخذ فيها مصر هذا القرار، ففي عام 2003، لجأ رئيس الوزراء المصري السابق "عاطف عبيد" إلى تطبيق هذا النوع من التعويم بعد ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بأكثر من 50%، حيث ارتفع سعر صرف الدولار من 3.70 جنيه إلى نحو 5.40 جنيه مرة واحدة، ما دفع الحكومة إلى التدخل في ذلك الوقت.
جدير بالذكر أن هذا النوع من التعويم يتم الإعتماد عليه في بعض البلدان الرأسمالية ومجموعة من البلدان النامية، التي تربط سعر صرف عملتها بالدولار الأمريكي أو الجنيه الإسترليني أو الفرنك الفرنسي، أو بسلة من العملات وهي الطريقة المتبعة من قبل البنك المركزي المصري في الوقت الحالي.