الوقت- أكتوبر 2009، نال الرئيس باراك أوباما جائزة نوبل للسلام، و السبب "نظرته الى عالم خال من الأسلحة النووية، والعمل الذي قام به في هذا الاتجاه، الحاثّ بقوة على نزع السلاح". و حتى الان لا يزال الرئيس الأمريكي يتبنى هذا الموقف رغم كل الأخبار و الوثائق السرية و العلنية التي تدحض هذا الادعاء، و لكن مَن مِن رؤساء العالم يجرؤ على رفع صوته عاليا لتكذيب أوباما و حكومته؟ من يسأل أمريكا عن مئات مليارات الدولارات التي تقتطع سنويا من خزينة الدولة و تذهب لتطوير أسلحة الدمار الشامل؟ من الذي صدق الكلام الأخير لأوباما و وزير خارجيته جون كيري بمناسبة مرور خمس و اربعين عاما على توقيع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية و التيأدعى فيها الأخير بأن بلاده تقوم بتقليص ترسانتها الاستراتيجية من الأسلحة النووية إلى أدنى حد منذ أكثر من نصف قرن؟
بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين على دخول معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية حيز التنفيذ، أصدر كل من الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" ووزير خارجيته "جون كيري" بيانا على حدة، ودعوا فيها كوريا الشمالية للعودة إلى عضوية المعاهدة.
وقال "أوباما" إن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية قد ساهمت في تخفيض الاحتياطي العالمي من الأسلحة النووية ليبلغ أقل مستوى له منذ خمسينيات القرن الماضي.
وأشار إلى أن المعاهدة قد أدت إلى رفع مستوى الأمن العالمي، داعيا دول العالم إلى التمسك بالمعاهدة كقاعدة أساسية للتعاون الدولي.
وأضاف أن أمريكا تسعى لبناء عالم آمن وسلمي خالٍ من الأسلحة النووية، مؤكدا أن بلاده تقوم حاليا بتقليص ترسانتها الاستراتيجية من الأسلحة النووية إلى أدنى حد منذ أكثر من نصف قرن وذلك بناء على المعاهدة الخاصة بتخفيض الأسلحة الاستراتيجية الهجومية، والتي وقعت عليها كل من روسيا وأمريكا في أبريل من عام 2010.
وقال إن الأمن الدولي سيتعرض للخطر إذا حاولت دول أخرى جديدة تخطي العتبة النووية، داعيا كوريا الشمالية إلى العودة إلى نظام معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
بيان الرئيس الأمريكي اعتبره كثيرون استخفافا بعقول العدو و الصديق فقد جاء في وقت أصبح جليا للقاصي و الداني مدى توغل الحكومة الأمريكية في تطوير أسلحة الدمار الشامل على أنواعها الهجومية قبل الدفاعية على مبدأ "يحق لأمريكا و حلفائها ما لا يحق لغيرهم" في محاولة منها لابقاء تفوقها العسكري في المرتبة الأولى أمام التطور العسكري الروسي و الصيني و غيرها من الدول التي ان لم تعتبرها أمريكا عدوا مباشرا الا أنها ترى فيها تهديدا محتملا.
فعلى مر السنين، منذ دخول السلاح النووي الى الترسانة العسكرية الأمريكية حتى اليوم لم تكف أمريكا عن المضي قدما في تصنيع و ابتكار أفتك أنواع الأسلحة التدميرية و هي الدولة الوحيدة التي استخدمت القنابل النووية في اليابان (ناكازاكي و هيروشيما) حاصدة أرواح مئات الاف من الأبرياء بحجة الدفاع عن النفس. و أبرز الوقائع التي تؤكد الكذب الأمريكي بشأن تقليص الترسانة النووية و العمل على الحد من انتشارها في العالم يتلخص فيما يلي:
أولا: قدمت إدارة أوباما ما مجموعه 57 مشروعا لتحديث مواقع عسكرية نووية، وافق مكتب المحاسبة الحكومي على 21 منها، في حين يبقى 36 في انتظار الموافقة. التكلفة المقدرة حاليا هي 355 مليار دولار على مدى 10 سنوات. غير ان هذا ليس سوى قليل من كثير، فإلى تكلفة المواقع تضاف تكاليف النواقل النووية.
ثانيا: طرحت ادارة أوباما امام البنتاغون مخططا يقضي ببناء 12 غواصة هجومية نووية جديدة (بإمكان كل منها أن تقذف ما يصل إلى 200 رأس نووي على أهداف عدة، فضلا عن 24 صاروخا باليستيا)، 100 طائرة أخرى من قاذفات القنابل الاستراتيجية (كل منها مسلحة بحوالي 20 صاروخا أو قنابل نووية) و400 صاروخا باليستيا عابرة للقارات مع قاعدة ارضية (لدى كل منها رأس نووي ذو قوة عظمى، ولكن يمكنها دوما ان تتسلح برؤوس حربية مستقلة متعددة).
ثالثا: يجري انشاء موقع ضخم جديد في كانساس سيتي، أكبر من مقر البنتاغون، حيث يقوم آلاف الموظفين، المزودين بتقنيات مستقبلية، بـ"تحديث" الأسلحة النووية باختبارها مستخدمين أنظمة متطورة لا تتطلب التفجير التحت-أرضي. يدخل موقع كانساس سيتي ضمن "مجمع وطني للتوسع من اجل صنع رؤوس نووية"، مكون من 8 مواقع كبيرة ومختبرات وطاقم من 40 ألف مختص.
في لوس ألاموس، بـنيو مكسيكو، انطلق بناء موقع كبير جديد، لإنتاج البلوتونيوم من اجل الرؤوس النووية. وفي أوكريدج بولاية تينيسي، يتم بناء آخر لإنتاج اليورانيوم المخصب للاستخدام العسكري. وقد تباطأت الأشغال، مع ذلك، لكون تكلفة المشروع في لوس ألاموس قد تضخمت خلال 10 سنوات من 660 مليون دولار الى 5.8 مليار دولار، وتضخم مشروع أوكريدج من 6.5 إلى 19 مليار دولار.
رابعا: تستمر اسرائيل بتطوير و تصنيع صواريخ تحمل رؤوس نووية و تختلف التقديرات حول مجموع ما تحويه ترسانة الكيان الاسرائيلي من رؤوس نووية (200 رأس نووي على أقل تقدير) حيث لم يعترف الكيان الاسرائيلي حتى اليوم بامتلاكه سلاحا نوويا رغم التسريبات الموثقة بالصور و التقارير الاستخباراتية المؤكدة من دول غربية و من أمريكا أيضا، و يحيط الكيان الاسرائيلي برنامجه النووي بكثير من الكتمان منعا لاحراجه أمام الرأي العام العالمي و احراج أمريكا الداعم الأول لهذا البرنامج في وقت يهدد كل من الكيان الاسرائيلي و أمريكا ايران التي يتهمونها بمحاولة تصنيع القنبلة النووية رغم اعلان الحكومة الايرانية مرارا و تكرارا عن عدم سعيها لامتلاكها. ورغم معرفة أمريكا و تيقنها من سلمية البرنامج النووي الايراني الا أنها تستخدم الملف بعرض الضغط على الحكومة الايرانية لتقديم تنازلات في ملفات أخرى كالتعهد بعدم المس بأمن الكيان الاسرائيلي.
يذكر أن الكيان الاسرائيلي لم يوقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وهو يرفض بحزم دخول مفتشي وكالة الطاقة الذرية الى مفاعله النووية.
خامسا: تتغاضى أمريكا عن تطوير الأسلحة النووية لدى الدول الغربية الحليفة كفرنسا و ألمانيا و بريطانيا بينما تلوح بالحل العسكري و تفرض العقوبات الاقتصادية بمجرد الشك بنشاط نووي في دول أخرى ككوريا الشمالية التي انسحبت عام 2003 من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. كما دخلت أمريكا بحرب عسكرية مباشرة ضد نظام البعث السابق في العراق بحجة وجود معلومات استخباراتية تفيد بامتلاك النظام العراقي أسلحة دمار شامل الا أنها بعد دخولها العراق لم تكشف عن أي سلاح مما ادعت بوجوده و قد انتشرت قبل و بعد غزو العراق عشرات التحقيقات و التسريبات التي تؤكد زيف ادعاء حكومة بوش و أن الغرض من الحرب كان اقتصادي بامتياز بقيادة شركات تصنيع الأسلحة و شركات النفط الأمريكية.
المعاهدة التي تم ابرامها في يوليو من عام 1968 ودخلت حيز التنفيذ في شهر مارس من عام 1970، تم بموجبها السماح لخمس دول، هي الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، بامتلاك الأسلحة النووية، بينما تمنع الدول الأخرى من تطويرها وشرائها وامتلاكها. معاهدة أخرى تضاف الى سلسلة المسرحيات العالمية التي أصبحت مملة، ورغم بقاء فكرة نشوب حرب نووية عالمية بعيدة عن الأذهان حتى الآن الا أن من ضرب اليابان بالسلاح النووي سابقا ليس مستبعدا أن يكرر فعلته مرة أخرى ان أحس بالخطر على (أمنه القومي) الذي زعزع لأجله أمن العالم كله.