الوقت - أجرى موقع "الوقت" الاخباري - التحليلي مقابلة خاصة مع السيد "مسعود أسد اللهي" الخبير في شؤون الشرق الأوسط حول عمليات تحرير الموصل التي انطلقت في العراق قبل أيام. حيث شبّه أسد اللهي هذه العمليات بعمليات تحرير الفلوجة التي جرت قبل نحو ثلاثة أشهر، مشيراً إلى أن القوات المشاركة في عمليات تحرير الموصل سعت في البداية إلى تحرير المناطق المحيطة بهذه المدينة من أجل محاصرتها من جميع الجهات قبل الشروع بالعمليات الرئيسية التي تستهدف تحرير مركز المدينة وكافة مناطقها من تنظيم "داعش" الإرهابي.
وأشار أسد اللهي إلى أن أمريكا تسعى وكما فعلت في السابق لتهريب إرهابيي "داعش" لاسيّما قادة هذا التنظيم من الموصل باتجاه سوريا، مؤكداً في الوقت ذاته بأن تحرير الموصل سيشكل ضربة قاصمة للإرهاب على جميع الأصعدة العسكرية والأمنية والنفسية، كما سيشكل إنتصاراً كبيراً للحكومة والشعب العراقي وجميع الأطراف التي تحارب الإرهاب، شريطة أن يتم القضاء على عناصر "داعش" بشكل نهائي من خلال قتلهم أو أسرهم في الموصل كي تكتمل حلقات هذا الانتصار.
وإليكم فيما يلي نص المقابلة:
الوقت: في البداية نود من حضرتكم أن تبينوا تقييمكم لعملية تحرير الموصل التي انطلقت مؤخراً، وما هي القوات التي تشارك في هذه العملية؟
أسد اللهي: طبيعة عمليات تحرير الموصل والتكتيكات التي أتبعت فيها تشبه إلى حد كبير عملية تحرير مدينة الفلوجة التي جرت قبل نحو ثلاثة أشهر على يد القوات العراقية. حيث تقوم القوات المشاركة في هذه العمليات في البداية بتحرير المناطق المحيطة بالمدينة ولا تستهدف مركزها من أجل محاصرة المدينة من جميع الجهات قبل اقتحامها، ولهذا من الممكن أن تستمر العلميات لمدة أطول لكنها ستفضي في النهاية إلى تحرير المدينة بشكل كامل. وأمّا فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال فإن القوات المشاركة بشكل مباشر في عملیات تحرير الموصل هي قوات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والقوات الأمنية، بالإضافة إلى الدور المهم الذي تقوم به قوات الحشد الشعبي. وتجدر الإشارة إلى أن قوات "البيشمركة" التابعة لإقليم كردستان العراق القريب من الموصل تشارك أيضاً في هذه العمليات. في حين لم تكن لهذه القوات مشاركة في عمليات تحرير الفلوجة.
الوقت: نود أن تسلطوا الضوء أكثر على دور الحشد الشعبي في عمليات تحرير الموصل، ولماذا تعارض أمريكا أن يلعب الحشد هذا الدور؟
أسد اللهي: للحشد الشعبي دور مهم وفعّال في عمليات تحرير الموصل رغم محاولات أمريكا الحثيثة لمنعه من المشاركة في هذه العمليات بحجج واهية منها أن هذه المشاركة ستثير حفيظة سكّان الموصل باعتبار أن غالبيتهم من أهل السنة، وذلك من أجل إثارة الفتنة الطائفية وإظهار الوضع في العراق على أنه صراع بين الشيعة والسنة، ولكن الحقيقة التي ظهرت بوضوح خلال العمليات السابقة ومنها عملية تحرير الفلوجة تبين أن الحشد الشعبي لم يتصرف أبداً من منطلق طائفي، بالإضافة إلى أن قواته تضم في صفوفها الكثير من المتطوعين من أبناء السنة، وأتباع الطوائف والأديان الأخرى ومن بينهم المسيحيون.
الوقت: ما هي دواعي القلق حيال دور أمريكا في عمليات تحرير الموصل؟
أسد اللهي: من المعروف أن أمريكا والدول الحليفة لها شكّلت قبل أكثر من سنتين تحالفاً دولياً لمواجهة "الإرهاب"، وزعمت هذه الدول في وقتها بأنها ستشارك في تقديم الدعم الجوي والمدفعي والمشورة العسكرية ضد الجماعات الإرهابية، إلاّ أن الجميع قد أدرك إن مشاركة أمريكا وتحالفها الغربي تشوبها الشكوك، فهم وبدلاً من المساعدة في تحرير المدن من إرهابيي "داعش" يقومون بمساعدة هؤلاء الإرهابيين للهروب من هذه المدن، والآن كذلك هناك قلق من إمكانية قيام التحالف الغربي بتهريب قيادات "داعش" من الموصل باتجاه الأراضي السورية.
الوقت: ما هي أهداف تركيا من المشاركة في عمليات تحرير الموصل , ولماذا تصر أنقرة على هذه المشاركة؟
أسد اللهي: تسعى تركيا من وراء ذلك إلى تحقيق عدّة أهداف؛ الأول: تزعم أنقرة إن الموصل تتبع لتركيا من الناحية التاريخية وقد تم إقتطاعها منها دون وجه حق أثناء توقيع معاهدة "سايكس – بيكو"، وهذا الأمر يحتاج في الحقيقة إلى بحث وتوضيح لأن أكثر أهالي الموصل هم من العرب، وأمّا التركمان فهم أقليّة في هذه المحافظة. ورغم أن التركمان موجودون أيضاً في مناطق أخرى من العراق، إلاّ أن ذلك لا يشكل دليلاً على أن هذه المناطق تابعة لتركيا. ولكن مع ذلك يسعى الرئيس التركي "رجب طیب أردوغان" لاستغلال الظرف الحالي لتحقيق أحلامه في إقتطاع الموصل أو أجزاء منها وضمّها إلى تركيا. ثانياً: تعتبر الموصل من المدن العراقية المهمة ومن يتمكن من السيطرة عليها يتمكن بالتالي من السيطرة على شمال العراق برمته، ولهذا يسعى أردوغان من خلال الإصرار على المشاركة في عمليات تحرير الموصل إلى لعب دور في التطورات الجارية في العراق ومستقبله لاسيّما في شمال هذا البلد. ثالثاً: لازال أردوغان يخشى من إمكانية قيام الجيش التركي بمحاولة إنقلابية أخرى على غرار المحاولة الانقلابية الفاشلة التي حصلت في البلاد قبل ثلاثة أشهر، ولهذا يسعى إلى إبعاد الجيش عن مركز الدولة والمدن التركية المهمة الأخرى من خلال إشغاله بحروب خارجية. وهذا السبب هو نفسه الذي دعا الرئيس التركي لإشراك الجيش في النزاعات المسلحة في شمال سوريا. وهذا يمثل في الحقيقة منحىً خطيراً جداً وخطأ إستراتيجياً في ذات الوقت لأنه سيتسبب بتداعيات كارثية لتركيا وللمنطقة بأسرها.
الوقت: كيف ترون الآفاق المستقبلية لعمليات تحرير الموصل؟
أسد اللهي: دون شك سيمثل تحرير الموصل إنتصاراً كبيراً للحكومة والشعب العراقي لأنه وكما أشرنا قبل قليل تعتبر الموصل من المدن المهمة جداً في العراق من ناحية، كما يعتبرها تنظيم "داعش" عاصمته المزعومة التي ألقى فيها زعيمه المدعو "أبو بكر البغدادي" خطبته التي سميت بـ "خطبة الخلافة" بعد إحتلالها من قبل التنظيم في حزيران/يونيو 2014. ولهذا سيشكل تحرير الموصل ضربة قاصمة لـ "داعش" على جميع الأصعدة العسكرية والأمنية والنفسية، ونصراً كبيراً للعراق وشعبه وحكومته ولجميع من وقف معهم في التصدي لهذا التنظيم الإرهابي. ومن الضروري التأكيد على أن هذا الانتصار لن يكتمل ما لم يتم أسر أو قتل جميع عناصر "داعش" في الموصل وعدم فسح المجال لهم للهروب باتجاه سوريا، لأن ذلك سيشكل خطراً كبيراً على العراق وسوريا معاً في المستقبل من خلال قيام التنظيم بعمليات إرهابية ضد هذين البلدين.