الوقت- رغم إصرار الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان على المشاركة البريّة في عملية الموصل، إلا أن الجانب العراقي رفض الطروحات التركيّة حتى الساعة حيث أكدت وزارة الخارجية العراقية، اليوم الثلاثاء، أن الوفد التركي قدّم أفكارا بشأن القوات التركية لكنها لم ترق إلى مستوى الاستجابة لمطلب العراق، مبينة أن العراق معتمد على قواته الوطنية في عملية تحرير الموصل.
لكن الرئيس التركي الذي حاول التنصّل من أي حديث مذهبي في سوريا، تطغى عباراته المذهبية والطائفية على الموقف التركي من العراق، وتحديداً معركة الموصل التي ستشكّل قفزة نوعية في المعركة مع تنظيم داعش الإرهابي، لاسيّما أن الانتصارات التي قامت بها القوات العسكرية خلال يوم واحد في الموصل فاجئت الكثير من المحللين السياسيين وحتى القيادات الامنية، بل تشير الانتصارات السريعة الى انتهاء معركة الموصل قريبا.
أردوغان الذي تحدّث عن تدريب ألفي مقاتل "سني" في العراق، تحدّث اليوم عن 30 ألف من عناصر الحشد الشعبي "الشيعي" يستعدون لدخول الموصل في خطوة تكشف نيّة الرئيس التركي دخوله للعراق عبر البوابة المذهبية، فلماذا استخدم أردوغان سلاحه "المذهبي" في العراق، في حين أنّه تجنّب استخدامه في سوريا؟
نقاط عدّة تفسر استخدام الرئيس التركي لهذا السلاح، وفي هذا الوقت تحديداً، أبرزها:
أولاً: أدرك الرئيس التركي أن الحشد الشعبي أحد أبرز نقاط التحوّل في العراق حيث نجحت هذه الفصائل العراقية التي تضم العرب والأكراد والتركمان، السنة والشيعة، في رفد كافّة الجبهات بالمقاتلين لإيجاه ملحمة وطنية فريدة من نوعها، بدأت ملامحها تظهر في الموصل حالياً، وقبلهافي الرمادي والفلوجة وآمرلي وجرف النصر (الصخر). لذلك يحاول اليوم، ركوب الموجة السعودية، ومهاجمة الحشد الشعبي للحصول على مكاسب سياسية وميدانية من الموصل في المرحلة اللاحقة. ففي حال فشل أردوغان في المشاركة ضد التنظيم الإرهابي في الموصل، لن ينجح في حصد أيّ من الثمار التي كان ينتظرها في العراق، كتلك التي يحصدها اليوم في سوريا من خلال عملية "درع الفرات".
ثانياً: بعد فشل الوفد التركي في إقناع الوفد العراقي في طروحاته سارعت قناة "TRT"التركية لنقل خبر عاجل، اليوم الثلاثاء، عن الرئيس اردوغان، قال فيه: نحن دربنا الآلاف من أبناء الموصل وعليهم المشاركة في تحرير المدينة، في حين أن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، قال "إن القوات الجوية التركية شاركت في الضربات الجوية التي نفذها التحالف الدولي على مدينة الموصل العراقية"، في إشارة واضحة من تركيا لإبراز دورها في تحرير الموصل وحصد مكاسب هذه المعركة في مرحلة "ما بعد داعش".
ثالثاً: إن التجربة "المذهبية" للإنقلاب في تركيا حيث نجح أنصار أردوغان من جماعة الإخوان المسلمين في إفشال الإنقلاب عبر نزولهم إلى الشارع، دفعت أردوغان باستخدام هذه الورقة في العراق، لاسيّما أن الرئيس التركي يدرك جيداً الطبيعة المذهبية والعرقية للمجتمع العراقي، علّها تعود عليه بفائدة ما.
رابعاً: إن نسبة العلويين في العراق، لا تقارن بنسبة العلويين في سوريا، وأي حديث "مذهبي" لأردوغان عن العلويين في سوريا، يعد نوعاً من الانتحار السياسي نظراً لوجود أكثر من 20 مليون علوي في تركيا، وهذا مادفع بأردوغان "البراغماتي" للتلطي تحت شعارات "إنسانية" في سوريا، تحوّلت إلى مذهبية في العراق.
خامساً: ما يصب اليوم في صالح أصوات أردوغان المذهبية هي تلك التصريحات التي تطلقها السعودية وبعض دول المنطقة، ولكن، في ظل وجود مخطط أمريكي لحماية داعش عبر نقله إلى المنطقة الشرقية في سوريا، لن تصل هذه الأصوات إلى أي نتيجة تذكر. نعم، لو نجحت القوات العراقية في القضاء على التنظيم وعدم السماح له بالهروب إلى سوريا، هنا ستشاطر أمريكا أردوغان والبقية "الصوت المذهبي" لحرق ورقة الحشد الشعبي من جهة، والعمل على إنقاذ تنظيم داعش الإرهابي الذي كشفت معركة الموصل أنّه لا يعدو عن كونه نمر من ورق، يسعى البعض إظهاره فولاذيّاً.
يبدو واضحاً، حتّى الساعة تجاهل القوّات العراقية للقوات التركية المتواجدة في معسكر بعشيقة شرقي مدينة الموصل، وذلك إنطلاقاً من القاعدة التي تقول "الأهم فالمهم"، ولكن بالتأكيد حينما تثبت القوات العراقية للحكومة التركية قدرتها على التعامل مع مدينة الموصل بمفردها، بخلاف ما ادعاه الرئيس التركي، سنكون أمام مشهد مختلف.
أسئلة عدّة تطرح نفسها اليوم، بعد فشل تركيا في إقناع العراق بالمشاركة في المعركة: فكيف سيكون الصوت المذهبي المقبل لأردوغان؟ هل سيعمد إلى إفتعال أي مواجهة مباشرة مع قوات الحشدالشعبي عبر الفصائل التي تدرّبت على أيادي القوات التركية في بعشيقة؟ لا ندري، لكن معالم الإجابة ظهرت على لسان الرئيس أردوغان نفسه عندما قال: "إذا لم تشارك تركيا في معركة الموصل فالنتائج ستكون وخيمة"، فعلى العراقيين توخّي الحذر والرد ميدانياً في الموصل، وشعبياً عبر حلقات تؤكد العيش المشترك للجميع تحتسقف العراق.