الوقت- لم تكن تصريحات المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب والتي أطلقها السبت الفائت حول التلاعب بالانتخابات الرئاسية، الأولى من نوعها، بل إن ترامب كرر في أكثر من مناسبة تشكيكه بنزاهة وشرعية العملية الانتخابية في البلاد، وأعلن في سلسلة من التغريدات على موقع تويتر أن "الانتخابات يجري تزويرها والتلاعب بها من قبل الاعلام غير الشريف والمشوه الذي يدعم هيلاري، وأيضاً في العديد من مراكز التصويت".
وكان ترامب قد أعرب في بداية أغسطس/آب الماضي، عن قلقه من أن الانتخابات المقبلة قد يرافقها تزوير جماعي، كما اتهم في 12 أغسطس/آب هيلاري كلينتون بالتزوير الانتخابي قائلا: لا يمكن أن أخسر في بنسلفانيا، والطريقة الوحيدة لجعل هيلاري تفوز فيها سيكون عن طريق التزوير"، وأثناء خوضه الانتخابات التمهيدية اتهم ترامب في فبراير/شباط، منافسه في الحزب الجمهوري السناتور "تيد كروز" بالتزوير في انتخابات ولاية إيوا الأمريكية.
هذه التصريحات للمرشح الجمهوري لم تأت من العدم، بل تمثل قناعة لدى العديد من شرائح المجتمع الأمريكي، حول عدم نزاهة العملية الانتخابية في أمريكا، وكانت وكالة بلومبرغ الاخبارية، قد نشرت على موقعها الالكتروني نتائج لاستطلاع رأي أجرته على الناخبين الأمريكيين، أشار إلى أن 34 بالمئة منهم يعتقدون بأنه سيتم تزوير الانتخابات الرئاسية القادمة.
وخلال الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية، تحدثت الكثير من الأصوات سواء في أوساط الحزب الديمقراطي أو الجمهوري عن تلاعب بالنتائج، إذ احتج أنصار المرشح الديمقراطي "بيرني ساندرز" على النتائج التي أوصلت منافسته هيلاري كلينتون لجولة الانتخابات النهائية، متهمين الحملة الانتخابية لكلينتون بالغش.
من ناحية أخرى، ثار الكثير من الجدل حول امكانية التلاعب بالانتخابات خلال الأيام الماضية، وذلك بعد نبأ تسلل بعض القراصنة الالكترونيين إلى أنظمة التصويت الأمريكي فى كثير من الولايات، الأمر الذي سلط الضوء على امكانية سرقة بيانات الناخبين وتغييرها والتلاعب بها، ولتلافي الفضيحة زعم بعض أعضاء الكونغرس أن روسيا هي من تقف خلف هذا الاختراق.
وبالعودة للعام 2000 ميلادي، فقد أثير أيضاً الجدل في ذلك الحين حول نزاهة الانتخابات التي جمعت المرشح الجمهوري جورج بوش الإبن، والمرشح الديمقراطي آل غور، حيث أعلنت حينها العديد من وسائل الاعلام، أن بوش نجح بالتلاعب والتزوير، وأن قرار المحكمة العليا حول إعادة فرز الأصوات في ولاية فلوريدا والذي آل لصالح بوش، وقع تحت تأثير ضغوطات سياسية. الجدير بالذكر آنذاك أن غور وبالرغم من فوزه بأغلبية الناخبين، إلا أن القانون الانتخابي الذي ينص على انتخاب الرئيس من خلال المندوبين عن الولايات، لم يمنحه صفة رئيس، وهو ما أثار جدلاً واسعاً حول نزاهة القانون الانتخابي وشرعيته.
هذا القلق والتشكيك بصحة نتائج الانتخابات بالتأكيد له ما يبرره في ضوء السجل التاريخي للانتخابات الأمريكية المليء بالغموض والممارسات غير الشفافة، وبدأت قناعة تتبلور لدى المجتمع الأمريكي بأن القانون الانتخابي، قد تم تفصيله ليلائم مصالح بعض القوى واللوبيات في الدولة الأمريكية، وأن دور المواطن البسيط في تقرير مصير بلاده غائب كلياً، فالعملية الانتخابية التي يشكل المال السياسي عمودها الفقري، تبقى منحصرة بالأثرياء وذوي النفوذ، وتلعب الدعاية الانتخابية دوراً كبيراً في نتائجها، وقد سجلت الانتخابات الحالية نسبة إنفاق قياسية على الدعاية الانتخابية قياساً إلى سابقاتها، واعتمدت بشكل كبير على الدعاية الشخصية ونشر الفضائح، بدلاً من الاعتماد على البرامج العملية للمرشحين.
ولا تخلو العملية الانتخابية في أمريكا من العنصرية ضد الأفارقة و المسلمين و الهنود الحمر، وكان الكاتب الأمريكي "باريت هولميز" قد أشار في مقال له في صحيفة الغارديان البريطانية، أن القانون الانتخابي ينحاز ضد الأمريكيين السود، وذلك بسبب التعديل القانون الذي أقرته محكمة الاستئناف الأمريكية، والذي يلغي قوانين تسجيل الناخبين في نفس يوم الانتخابات، مما يحرم غالبية الأمريكيين الأفارقة من حق التصويت.
وبالرغم من إجماع المراقبين داخل أمريكا وخارجها على أن الانتخابات الحالية هي الخيار بين أفضل الشرّين، وأن كلا المرشحين للرئاسة الذين تحيط بهما الكثير من الفضائح لا يلبون طموحات الشعب الأمريكي، إلا أن الناخب الأمريكي لا يملك من خيار آخر، في ظل الهيمنة التي يفرضها الحزبان الجمهوري والديمقراطي على مقاليد الدولة منذ عقود، حيث أن طبيعة الترشح للسلطة يجعل من الصعب على حزب ثالث الدخول في السباق الرئاسي في ظل القواعد والأنظمة المعقدة التي يفرضها النظام الأمريكي، والتي تتماهى مع مصالح مجموعات الضغط المختلفة.
وكانت التقارير قد أشارت إلى إحجام كبير من قبل الشعب الأمريكي على صناديق الاقتراح وأن 9 بالمئة فقط من عامة الشعب الأمريكي، صوتوا لمرشحي الرئاسة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، خلال الانتخابات التمهيدية، حيث تحتل أمريكا المرتبة 31 في نسبة التصويت من بين 34 دولة غنية في العالم، وهي نسبة متدنية جداً لدولة ترفع شعار الديمقراطية وتتدخل بقوة في شؤون الدول الأخرى بدعوى نشرها.
وعليه تبدو العملية الانتخابية في أمريكا هزيلة وغير باعثة على الثقة، الأمر الذي يعيه السياسيون الأمريكييون جيداً، فيما اتهامات التزوير العلنية التي يطلقونها، إنما تأتي بسبب اختلاف مرحلي على توزيع الأدوار فيما بينهم، وليس لأجل قيم العدالة والديمقراطية.