الوقت- قيل سابقاً إن الإحتياطي السعودي من النقد الأجنبي والذي يصل قدره إلی تريليون دولار بالإضافة إلی القوة التدميرية الأيديولوجية والسياسية للسعودية، يمكن أن يسبِّبا أخطاراً على العالم. حتى أن بعض معاهد الدراسات والبحوث الغربية قد ادعت قبل بضعة سنوات، أن السلطات السعودية لا تملك الكفاءة لإدارة هذه الأموال والاحتياطيات. ذلك أن الإدارة السيئة والاستفادة غير المواتية من احتياطيات النقد الأجنبي هذه والتي تم استثمار واحتفاظ حوالي 700-800 مليار دولار منها في أمريكا، لم تکن إقتصاديةً فحسب، بل لها جوانب أمنية أيضاً.
قانون "جاستا" الذي أقره الكونغرس الأمريكي مؤخراً، وفتح الأبواب أمام المواطنين الأمريكيين المتضررين للمطالبة بتعويضات من الحكومة السعودية، يجب وضعه في ضوء مثل هذه الأفکار والدور السعودي الهدام في التطورات الاقليمية وانتشار الإرهاب.
إن مثلث المشاكل التي تواجه المنطقة أي 1. التوترات والتحديات الداخلية للبلد والحكومة، 2. المسار المتأزم للقضايا الإقليمية و3. أهداف وأخطاء أمريكا في الشرق الأوسط وآثارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية علی المنطقة وإيران، هي القضايا الثلاث التي ينبغي النظر فيها من قبل المعنيين في السياسة الخارجية. کما أن حجم المشاكل الداخلية والإقليمية والدولية، والمستقبل القاتم للمنطقة، يوحي بأنه ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام لمسار التطورات وسرعة تغيير الاوضاع السياسية في العالم وتغييراتها المحتملة، وآثار هذه التغييرات في المدى القصير والمتوسط والطويل، علی الأوضاع في المنطقة والبلد.
فيما يتصل بالقضايا الإقليمية، يتفق الجميع على أن المشكلة الأكثر أهميةً في منطقة الشرق الأوسط الإستراتيجية والحيوية، والتي يمكن أن تقود العالم إلى هاوية الحرب العالمية الثالثة، بعيداً عن التخلف والدكتاتوريات، والتي ارتبطت للأسف بالليبرالية الغربية نتيجة المصالح الاقتصادية، هي الأهداف الأحادية الاتجاه، المتحيزة، المتناقضة وغير الشفافة لأمريكا في سياستها الخارجية تجاه هذه المنطقة، وبعض الدول المؤثرة فيها مثل إيران والسعودية. وفي هذا السياق فإن القضايا الداخلية والنهج المتبعة من قبل إيران مؤثرة جداً. وفي حال استمرّ هذا الاتجاه ولم يتم تصحيحه، فإن المنطقة مقبلة علی تأثيرات عميقة جداً نتيجة الكوارث الإنسانية، البيئية، انهيار المجتمعات والاختلال في التوازنات الجيوسياسية.
إن تصوُّر الأمريکيين من التعامل مع إيران، هو بحيث أن تزايد الضغوط على الإيرانيين، جنباً إلى جنب فتح الباب أمامهم للهروب من الضغوط، جعلهم يدرکون أنهم يجب أن يغيِّروا سلوكهم لتجنب تعرُّض مصالحهم للخطر. وفيما يخص هذه الاستراتيجية نفسها، تری مراکز الدراسات أن هذا النهج ينبغي أن يُستخدم حيال سلوك إيران في المنطقة أيضاً. وتقترح مراکز الدراسات هذه أنه من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة، على أمريكا بوصفها قوةً صانعةً للتوازن، أن توجد التوازن بين القوى الإقليمية ومنع ظهور أية قوةٍ مُهيمنة في المنطقة. لهذا الغرض، يجب أن تسير الظروف باتجاه تبلور اعتراف متبادل بين مختلف البلدان، وتتمکَّن القوی الإقليمية الثلاث الكبرى أي إيران وتركيا والسعودية، من التعايش معاً. وعلى الرغم من هذه التوصية، ترى هذه الدوائر أن المنطقة تتجه نحو الاستقطاب وربماً المزيد من الصراعات.
الإشکالية الرئيسية في هذا المجال، هي كيفية تقبُّل أمريكا للمفارقات الأيديولوجية والسياسية والحكومية في السعودية، والقوة التدميرية للاحتياطي النقدي السعودي في السياسة الخارجية لهذا البلد. وکان منع المسؤولين الأمريكيين نشرَ تقرير الكونغرس المكون من 28 صفحةً بشکل كامل، وأخيراً تسويد جزءٍ منه، دعماً أمريكياً غير ضروري للسعودية، التي أدت سياساتها المدمرة إلى انتشار الإرهاب وخلق مزيد من التوتر في العلاقات الدولية. ولكن حالياً فإن مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين ومن خلال رفض فيتو الرئيس الأمريکي باراك أوباما، فيما يتعلق بالسماح للمواطنين الأمريكيين المتضررين من هجمات الحادي عشر سبتمبر 2001، للمطالبة بتعويضات من السعودية، قد بدأوا الخطوات لممارسة الضغوط على السعودية. وهذا سيخلق مجالاً لإيران لتبيين الطبيعة العنيفة للسياسة الخارجية السعودية، وعدم كفاءة هذه السياسة في المنطقة.
وفي هذه الحالة يمكن تقليل الآثار التدميرية لأحد أخطاء السياسة الخارجية الأمريكية، والذي أدی إلى اختلال التوازن الجيوسياسي. وهي الآثار التي لم تقتصر فقط على نشر الإرهاب، بل خلقت أيضاً أزمات بيئية وأدت إلی تشريد مئات الآلاف من الناس الأبرياء الذين لا يريدون سوى أن يعيشوا في سلام وأمن. لذلك، فإن النظرة إلى قضية اللاجئين وطالبي اللجوء من الزاوية الإنسانية فحسب، لن تجدي نفعاً ولن تحلّ مشکلةً، بل إن نزوح هذه السيول البشرية سيكون سبباً في تغييرات ديموغرافية وثقافية ودينية وجيوسياسية، ناجمة عن سياسات أمريكا وحلفائها في المنطقة مثل السعودية، وهو الأمر الذي يجب أن نجد له حلاً سريعاً، ولا تستطيع أمريكا والسعودية التملُّص من نتائج أفعالهم.