الوقت- ربما يعتبر التكفير، العامل المشترك بين أحداث 1977 و الأحداث الأخيرة التي تمثلت بالغارات المصرية على منطقة درنة الليبية. أرادت مصر أن تردع تنظيماً إرهابياً بدأ يؤسس قواعد له في فنائها الخلفي، وأرادت في الوقت ذاته أن ترسل رسائل للداخل والخارج. أرادت القول للداخل، إنها لن تتساهل مع أي اعتداء على مواطنيها، أما للخارج، أرادت القول أن الجيش المصري ما زال يحتفظ بقدرات الردع ويستطيع بكفاءة تامة تنفيذ عمليات نوعية خارج أراضيه حفاظاً على أمنه القومي من دون انتظار إذن أو مساعدة من أي طرف دولي. ولأن الخارج المتمثل بأمريكا وأدواتها في المنطقة، فهم الرسالة، كان الرفض رده على الخيار المصري. فأن أمن الكيان الاسرائيلي أهم من أي شيء. فما هي القراءة التحليلية للتدخل المصري في ليبيا وردات الفعل؟ وكيف خذل جميع العرب، ومع الغرب، دولة مصر؟
أولاً: قراءة في ردات الفعل:
بيان الدول الغربية المشترك ورفض مجلس الأمن لطلب مصر بتسليح الجيش الليبي، والانتفاضة القطرية عن طريق الجامعة العربية ومجلس التعاون، كانت المواقف التي صدرت بعد الضربة الجوية المصرية لتنظيم داعش الإرهابي في ليبيا.
الدول الغربية وهي امريكا، فرنسا، إيطاليا، أسبانيا، انجلترا، أوضحت في بيانها المشترك أن لا حل عسكري في ليبيا ضد تنظيم داعش الإرهابي، وأشارت الى أن توجهها هو الحل السياسي. الأمر نفسه كان محصلة جلسة مجلس الأمن لمناقشة طلب مصر المقدم من خلال مجموعة الدول العربية في المجلس برفع حظر توريد الأسلحة للحكومة الليبية الشرعية المعترف بها دولياً. وحتى بعد خفض مصر لمطلبها الأساسي بالتدخل العسكري عقب بيان الدول الغربية وحصر مشروع القرار المقدم لمجلس الأمن في رفع حظر السلاح، فإن المطالب المصرية قوبلت بالرفض سرعان ما تطور إلى هجوم وحصار من دول الخليج الفارسي للمساعي المصرية الرامية إلى مواجهة الإرهاب. والذي لخصه عبد اللطيف الزياني، أمين عام مجلس دول التعاون في بيانه في 20 فبراير 2015 الذي تضمن رفض دول مجلس التعاون بما فيها السعودية للتوجه المصري، ذلك عقب تحفظ قطر على مشروع قرار لجامعة الدول العربية بجعل خطوات مصر العسكرية في ليبيا "متفهمه" من جانب دول الجامعة.
في المقابل إعتبرت مصر وعلى لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، بدر عبد العاطي، أن المجتمع الدولي يكيل بمكيالين تجاه تنظيم داعش الإرهابي، ففي حين يسمح بضربات جوية ضده في العراق وسوريا، يعتبر أن التعاطي السياسي في ليبيا هو الحل حتى مع تواجد تهديد خطير متمثل في التنظيم لمصر ودول الجوار الليبي وقبلهم الشعب الليبي.
ثانياً: القراءة التحليلية للمواقف:
- ليبيا ومنذ 2013 تشكل ساحة صراع بين المحور(قطر- تركيا) من جهة وبين محور(مصر–الإمارات-السعودية) من جهةٍ أخرى. حيث أن الأول داعم لحركة الإخوان المسلمين والثاني أرادت دوله القضاء على ما تبقى من نفوذ لهذه الحركة في المنطقة بعد ثورة الثلاثين من يونيو. وبالتالي فإن ما أتُخذ من مواقف هو انعكاس لصراع المحاور بالدرجة الأولى. فقد ذكر المحقق الصحفي الشهير سيمور هيرش في تحقيق استقصائي له في إبريل الماضي، أن قطر وتركيا استفادت من حالة الفراغ السياسي والإنهيار الأمني في ليبيا بل وساهموا في تكريس هذه الحالة بهدف جعلها مخزن سلاح ونقطة تجمع المقاتلين الأجانب من جنوب المتوسط ومن ثم نقلهم إلى تركيا لدخول سوريا والعراق.
- إن المواقف التي صدرت أكدت أن لا نية حالية لأي من هذه الأطراف في عمل عسكري سواء محدود أو واسع النطاق لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا، كما يحدث في أجندة التحالف الدولي ضده في العراق وسوريا.
- إن أمريكا وكالعادة ترى أن لا حرب "مشروعة" سوى حروبها وتلك التي تتحقق من ورائها مصالحها. والدول الأوربية مازالت ترى نفسها وصية على دول جنوب المتوسط حتى بعد انتهاء مرحلة الإستعمار لها منذ عقود. وقبل كل ذلك المصلحة الإقتصادية والسياسية التي ستعود عليهم من حرب جديدة في ليبيا المقسمة، منذ حلقت طائرات حلف الناتو وبعض الدول العربية فوقها قبل أربعة أعوام، فهم يعتبرون أن ليبيا دولة نفطية دسمة. مما يعني أنه لا توجد مصلحة أميركية أو أوربية في عمل عسكري في ليبيا حتى ولو كان ضد تنظيم داعش الإرهابي بشكل حصري. مما يبقي الأمور رهن الصراعات الاقليمية بين مصر وحلفائها من جهة وقطر وتركيا من جهة أخرى.
- في البداية إلتزمت السعودية دعم الخطوة المصرية ولكن مع التشديد على أن الأمر لا يعنيها بذاتها ولكن يعني حليفتها مصر. وكانت السعودية تهدف في النهاية إلى الضغط على قطر للقبول بالمصالحة الخليجية بشروط السعودية. لكنها سرعان ما تحركت ضد المصلحة المصرية وأبرز مثل على ذلك كان بيان مجلس دول التعاون. فالسعودية اليوم تحاول التقارب مع جماعة الإخوان والدول الداعمة لها وهنا نجد أن الرياض قد اتجهت لجعل ليبيا ورقة ضغط على النظام المصري ودافع تقارب مع الإخوان، ويرتهن ذلك ببراغماتية مفادها، دعم مصر للسعودية في اليمن مقابله دعم السعودية لمصر في ليبيا.
- بالإضافة لكل تلك المؤشرات جاءت تصريحات المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، لوكالة الأنباء الروسية حول الضربة المصرية لداعش في ليبيا، حيث جاء في تصريحاته أن "مصر دولة تربطها علاقات صداقة مع روسيا.. لا تستبعد إمكانية مشاركة بلاده في تحالف دولي ضد الإرهابيين في ليبيا، بما في ذلك تأمين حصار بحري لمنع وصول الأسلحة إلى المتطرفين". مما يفتح أفقاً جديداً حول إمكانية تغير البوصلة السياسية المصرية حسب اتجاه مصلحتها السياسية لا المصلحة السعودية.
إذاً، إنها سياسة المصالح الأمريكية، ففي الوقت الذي تدعي فيها أمريكا ودول الخليج الفارسي السعي للقضاء على الخطر الذي يشكله تنظيم داعش الإرهابي، وقفوا جميعاً بوجه الجيش المصري، الذي يحاول منع نفس الخطر عن أرضه. وفتش عن السبب الحقيقي تجد أن الموضوع بأكمله يصب في مصلحة الكيان الصهيوني. فإعادة الهيبة للجيش المصري أقوى الجيوش العربية، يهدد أمن هذا الكيان. لذلك قالت أمريكا ودول الخليج الفارسي كلمتها لمصر، إن أمن الكيان الإسرائيلي أهم من إنهاء خطر داعش. وهنا نسأل: ماذا تخبأ لنا الأيام المقبلة؟