الوقت- الحراك الامريكي الدبلوماسي في المنطقة التي تقف على فوهة البركان, وما يوازيه من حراك لدول عربية باتت شريكة علنية في ادارة الصراع القائم في المنطقة عبر اصابعها الفاعلة في حركات التكفير الارهابية وسياساتها العدائية التي تشجع المواجهات والفوضى وتسعر الخلافات عبر التحالف مع تيارات سياسية في الدول العربية في مقابل تيارات اخرى, مما يسهم في انقسام سريع في الساحات العربية ويؤسس لصراعات داخلية تتخذ طابع الصراع المسلح بتزكية خارجية.
هذه الفوضى, وليدة الشرق الأوسط الجديد, وما يتمخض عنها من ضياع الكيانات السياسية وذوبان حدود الدول وحرمة سيادتها, في مشهد تختلط فيه الغارات الجوية والهجومات البرية بين دولة وجارتها تحت مسميات متعددة كمحاربة الارهاب وغيرها تحت حجة "داعش" التي باتت جاهزة اينما وقعت عين الطمع, ليستكمل مشهد صياغة شرق اوسط جديد وعجيب, شرق بات فيه الغرب شرقا والشرق غربا وضاعت وردة الجهات وحدود الكيانات وساد الهرج والمرج ساحات وحدود بات الدم يلون أغلب مساحاتها.
قطر, الدولة الطامحة الطامعة التي تحاول بناء أمجادها عبر تبني مشروع الاخوان المسلمين الذي استحكم سابقا ركوب موجة ثورات ما يسمى بالربيع العربي. مشروع تتقارب فيه قطر مع احلام الحكام العثمانيين الجدد في تركيا, الأخيرة التي وجدت من حدود الجنوب منفذا لمخططاتها وأطماعها التوسعية, بعد أن أقفل المجتمع الاوروبي حدوده في وجه انضمامها للاتحاد الاوروبي.
الحراك القطري الأخير, جاء عبر محادثات مع الرئيس الامريكي صاحب الصورة الدبلوماسية الملونة, جرت وسط أجواء تقارب حاصل بين تركيا السعودية وقطر في محاولة يبدو انها تهدف لاعادة احياء امجاد تيار الاخوان المسلمين من جديد.
محادثات ثنائية في البيت الأبيض بين الرئيس باراك أوباما والشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني عبر خلالها الطرفان عن توافق رؤى بينهما بشأن قضايا الشرق الأوسط، ومن ضمنها الأزمة السورية ومساعي التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، كما تناولت المحادثات مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.
ووصف أوباما المحادثات مع الشيخ تميم بالممتازة، وقال إن هناك توافقا في الرؤى بينهما حول مختلف القضايا بما فيها سوريا. من جهته، أكد أمير قطر على توافق الرؤى مع أوباما، بما في ذلك دعمه لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وفي تصريحات له, أشار الرئيس الأميركي إلى قلق البلدين الشديد بشأن الوضع في سوريا، وأكد في هذا الإطار الاستمرار في دعم المعارضة السورية التي تُوصف المعتدلة، وشدد على أن سوريا لن تستعيد استقرارها طالما أن الرئيس بشار الأسد "الفاقد للشرعية" لم يغادر الحكم.
كما قال الرئيس الأمريكى باراك أوباما والأمير القطري، إنهما ملتزمان بهزيمة مسلحى داعش، رغم وصف أوباما لتحقيق الاستقرار فى سوريا بأنه "تحدى استثنائى"، مؤكدين عدم قناعتهما فى إمكانية تحقيق الاستقرار فى البلاد مع وجود بشار الأسد فى السلطة.
المحادثات التي جرت تعبر عن مرحلة من التكتيك السياسي الامريكي بصيغة جديدة, تنتقل فيه ادارة الرئيس اوباما الى توكيل حلفائها في ادارة بعض الملفات المتعلقة في المنطقة. هي مرحلة اعادة توزيع الادوار بين حلف امريكا تركيا السعودية وقطر والكيان الاسرائيلي, وأظهرت مستوى التعنت والاصرار القطري للتصدي لأداء مهمة اسقاط النظام السوري مهما كلف الثمن وعدم الاستعداد لتقبل فكرة بقاء النظام ولو لمدة زمنية قصيرة.
المحادثات الاخيرة, التي اعلن عنها انها أتت في سياق التأكيد على ضرورة اسقاط النظام السوري ومحاربة التكفير والارهاب, أظهرت أن قطر اللاعب الاكبر الذي سيتابع مهمة الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد, حيث يعد هذا الهدف من أولى اولويات السياسة القطرية في المرحلة القادمة والمهمة الرئيسية لها.
ففي ظل انشغال السعودية في ملف اليمن والبحرين والعراق ومتعلقاتهما, وغرق تركيا في مواجهات خفية مع النظام المصري والسوري, تتولى قطر متابعة تحقيق هذه المهمة وادارة الصراع السوري بالوكالة عن تركيا والسعودية وامريكا, واعطاء الفرصة لتفرغ السعودية للأزمة اليمنية, هذا الدور الذي تجلى عبر فتح ملف التنسيق مع الاخوان المسلمين في اليمن ودفع منطقة عدن لاتخاذ اجراء الانفصال عن صنعاء وتشكيل كيان مستقل يمهد لصراع يحول دون استقرار البلاد وتمكن حركة أنصار الله الحوثيين من انجاح مشروع بناء حكم ثابت موحد في هذا البلد.
قطر التي تتعمد القيام بحراك دبلوماسي يخرجها من عزلتها ويعيدها الى ساحة الفاعلية هي وتركيا بعد انتكاس مشروعهما في الاونة الاخيرة وفشله على الارض السورية, يبدو انها تولت ادارة الازمة السورية وتعهدت باستمرار محاولات اسقاط نظام الأسد, وسط سياسة توزيع الادوار التي تنتهجها امريكا تقضي بتوكيل تركيا وقطر والسعودية أدوارا سياسية لتؤديها وكالة عن الاصيل الامريكي , واتخذت على عاتقها ادارة مشروع مشترك مع امريكا وهذه الدول لتأسيس قوة سورية مسلحة تضم اكثر من 15000 عنصر مما اطلق عليهم اسم المعارضين المعتدلين, ليكونوا اداة بأيدي هذه الدول تتحكم تماما في تحركاتها على قدر الخطى المطلوبة تماما دون الخروج من دائرة السيطرة, لتشكل طرفا بديلا عن الحركات التكفيرية التي تتولى مهمة اسقاط النظام وانهاكه ولكنها تخرج احيانا عن سيطرة اسيادها.
فبين مهمة الاستمرار في ادارة الصراع داخل سوريا, وتجهيز القوات الالفية التي يراد تحضيرها, يبدو أن امريكا قد اعطت الضوء الاخضر لقطر لأداء هذه المهمة من جديد وسط وكالة عن الاصيل الذي يتابع ملفات دولية فيها قطاف اوفر حظا وأثمن وزنا ونوعا, فقادم الأيام ستشهد ادارة قطرية للصراع السوري وسط استمرار الحقد العربي في التآمر على سوريا التي يذبح شعبها عقابا له على مواقفه من الكيان الاسرائيلي الحليف الاستراتيجي والراعي الاول للانظمة الدكتاتورية القائمة في دول الخليج الفارسي.
لكن قطر, تركيا ومن معها, سياساتها الجديدة القديمة, انما تحكيها تجربة الماضي الحديث, التي ما زالت امارات فشلها شاخصة تحت حذاء كل جندي سوري شهيد أو بندقية متأهبة أو فوهة سلاح يطلق النار بزندي عربي أصيل, فاين حاكم قطر حمد, وأين عبد الله السعودية, وأين أوغلو كيسينجر الشرق الاوسط وأين تركيا التي يصيب حاكم الأردوغاني العثماني الحالم خيبة ويأس العزلة قبل السقوط.
المثل العربي يقول "من جرب المجرب كان عقله مخرب" فهل هو توكيل من اوباما لاداء مهمة بأيد خبر فشلها ام أنه تموضع سياسي جديد ينتظر فشلا عربيا جديدا في اسقاط النظام السور , فرصة اخيرة يتبعها سلة من التسويات المفروضة من امريكا على هذه الدول بعد فشلها تأتي خلف نتائج الاتفاق النووي مع ايران.