الوقت- منذ اندلاع الأزمة السورية طمع الكيان الإسرائيلي في استغلال الاحداث القائمة وإقامة حزام أمني داخل الأراضي السورية في المنطقة المحاذية للجولان السوري المحتل, ومنذ بداية الأزمة واحتدام المواجهات بدأ السعي الإسرائيلي لتنفيذ المخطط عبر التحالف مع الجماعات المسلحة في هذه المنطقة وفي طليعتها جبهة النصرة، في مشهد يعيد إلى الأذهان تبني إسرائيل جنوبي لبنان عام 1975 جيش سعد حداد الذي عرف لاحقاً باسم جيش لحد, فضلا عن دور اردني تجلى في تدريب المسلحين على اراضيه ودعمهم بالعتاد والسلاح والمعلومات الاستخباراتية وفتح الحدود الاردنية واقامة غرفة عمليات أمنية تدير الاشتباكات في الاراضي السورية بالتعاون ما بين ضباط سوريين منشقين واستخبارات اردنية واسرائيلية.
ومع الأيام, ورسائل الجولان وبريد المنطقة التي لا تشكل اكثر من 1 بالمئة من المساحة السورية, لكنها منطقة استراتيجية بامتياز, لعوامل تحدثنا عنها في تقارير منفصلة عديدة, بدأ المشروع الاسرائيلي يخرج الى العلن, عبر تنسيق وتعاون وتحالف مع جبهة النصرة والجماعات المسلحة المنتشرة في تلك المنطقة.
ومع تزايد الدعم والتنسيق الاسرائيلي الذي وصل الى حدود التدخل المباشر بالنار, بدأت هذه المجموعات في تحقيق تقدم واحتلال اماكن واسعة من الحدود الجنوبية للدولة السورية وما تلى ذلك من هجمات على دمشق انطلقت بدعم استخباراتي ولوجستي اسرائيلي نحو العاصمة, لكن دفاع الجيش السوري حال دون نجاح اي منها.
مع اتساع المواجهات والدخول الاسرائيلي على الساحة علنا, بدأ الجيش السوري وحلفاؤه بايلاء المنطقة اهمية كبرى وسجلت حينها احداث اشتباكات كثيرة كانت اضخمها استهداف الموكب القيادي لحزب الله والحرس الثوري الايراني الذي كان يجول في المنطقة, وما تلى ذلك من رد عنيف قام به حزب الله ليطلق بعدها الحزب عبر امينه العام السيد حسن نصر الله مرحلة جديدة من المواجهة مع الكيان الاسرائيلي وعملائه من المجموعات المسلحة التي عبر عنها بأنها "جيش لحد الثاني".
لم يتأخر المشهد والاحداث في الجولان عن ترجمة كلام ومعاني خطاب السيد حسن نصر الله وتهديدات الحرس الثوري الايراني, فالايام الاخيرة الماضية, حملت الى الجولان عاصفة جديدة وعد فيها وكلاء الكيان الاسرائيلي, فقد قام الجيش السوري وحلفاؤه بحملة عسكرية عنيفة تستهدف مناطق استراتيجية في الجنوب أطلق عليها اسم عمليات " شهداء القنيطرة".
فبعد زمن من الهجمات التي قامت بها المجموعات المسلحة على اماكن تواجد الجيش في الجنوب, واحتلالها لمساحات كبيرة وسيطرتها على مناطق حيوية واستراتيجية في الجولان, وكان اخرها معركة خاضها ائتلاف المجموعات المسلحة الذي حمل اسم " الجيش الاول", حملت اسم عملية "كسر المخالب "، كانت تهدف الى السيطرة على قرية "قرفا" المحاذية لبلدة الشيخ مسكين (ريف درعا الشمالي)، على الجبهة المقابلة في الجنوب الشرقي لمسرح عمليات الجيش في دير العدس.
حيث شنّ المسلحون هجمات عنيفة على القرية التي تشكل خطاً أحمرا بالنسبة للجيش السوري، كونها مشرفة عن قرب على الطريق الدولي بين دمشق والجنوب. لكن الجيش السوري أفشل الهجوم الذي لم يحقّق أيّ تقدم يُذكر في الميدان.
وسط هذا الواقع, قرر الجيش السوري المبادرة ليقول كلمته وينفذ وعد محور المقاومة الذي توعد جيش لحد الجديد وحليفه الاسرائيلي, فقام الجيش السوري بشن عملية عسكرية كبيرة في الجبهة الجنوبية تشمل درعا والجولان يركز فيها على المثلث الذي يربط محافظات درعا والقنيطرة وريف دمشق.
مجريات العملية ميدانيا ً:
الجيش السوري وحلفاؤه, يظهرون مستوى قتاليا بارعا أدى الى تحقيق تقدم في مواقع وقرى كثيرة أبرزها تل مرعي والدجاني ودير العدس وتل المصيح بعد معارك عنيفة, كما تم تحرير عشرات الكيلومترات من الأراضي المحتلة بالقنيطرة.
السيطرة على دير العدس الاستراتيجية التي تشكل محورا يفصل ما بين المحافظات الثلاث يفتح بوابة أمام الجيش السوري للانطلاق نحو الأرياف التي ترتبط بها وتتيح للجيش الضغط ميدانيا والتموضع في منطقة ربط استراتيجية، وكذلك الحفاظ على أمان الطريق الدولي درعا ـ دمشق, كما تمكنه من اعتراض وصول الامدادات الاسرائيلية للمسلحين الوافدة من ريف درعا والقنيطرة باتجاه الغوطة الغربية لدمشق، وتحديدا بلدة خان الشيح عبر تقطيع أوصال المنطقة ما بين سفح جبل الشيخ وريف درعا.
المعارك الجارية تعتمد فيها القوات السورية وحلفاؤها مبدأ العمل المتسلسل وفق مراحل عملياتية وضع لكل منها اهداف تفصيلية, فالحملة العسكرية القائمة هي مرحلة اولى تتم من أكثر من محور تهدف لتحقيق تموضعات استراتيجية عبر السيطرة على قرية دير العدس وكذلك اعادة الانتشار وفق مخطط يؤسس لمرحلة ثانية من العمليات.
يبدو ان توجه الجيش السوري لليسطرة على دير العدس, يهدف الى تأمين سيطرة نارية تمهيدا للسيطرة على تل مرعي وتل الصياد اللذين يشكلان مع تل رعيد وتل عفا شمال دير العدس سداً نارياً يتحكم في مجريات المعركة، ويضع مناطق الهبارية ودير ماكر في حكم المناطق الساقطة عسكريا لأنها تصبح حينها خاضعة لسيطرة مطلقة بالرؤية والنيران.
التطور الحاصل ايضا, هو تمكن القوات النظامية من الوصول الى محاذاة بلدتي حمريت وكفرناسج حيث تضم المنطقة أبرز قواعد المسلحين في ريف درعا وقد تم ذلك عبر تامين مد ناري وصل إلى بلدة كفر شمس القريبة من دير العدس.
وفي اخر المعلومات, تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من السيطرة على قرية دير ماكر, بعد السيطرة على التلال المشرفة عليها ومن ثم التقدم الى داخل البلدة الواقعة في ريف دمشق الغربي.
وبالتزامن مع العمليات الهجومية, يقوم الجيش بتنفيذ كمائن في مناطق أخرى. فعلى أطراف بلدة اللجاة في ريف درعا الشمالي نفذ الجيش كمينا سقط فيه عدد من المسلحين قتلى.
كما استمر الجيش السوري بالتقدم باتجاه بلدة "دير ماكر" قرب ريف درعا ولتحقيق السيطرة على عدة مرتفعات هامة في محيط البلدة وسط اشتباكات عنيفة, هذا وتؤكد مصادر متابعة للمجريات أن هذه العمليات ستستمر في محافظتي درعا والقنيطرة لتعزيز المواقع الدفاعية للجيش السوري، تمهيداً لقلب المعادلة على غالبية محاور القتال في الجنوب، وانتقال الجيش من الانتشار الدفاعي إلى الانتشار الهجومي.
واللافت في هذه العملية الجارية أن العديد من أهالي قرى ريف درعا يزودون الجيش بمعلومات مهمة حول مواقع المسلحين وخطوط امدادهم, كما ان إتصالات عاجلة تمت بين فعاليات من ريف درعا وجهات تابعة للمصالحة الوطنية لتجنب ما حصل بدير عدس حيث جرت اشتباكات عنيفة جدا ادت الى مقتل العشرات من المسلحين ودمار كبير في اماكن تحصنهم, الأمر الذي تلقاه الجيش السوري الذي يدرس امكانية العفو عن العناصر المنشقة مقابل تسليم بعض القرى للحكومة السورية وبسط الأمن فيها.
وأفادت مصادر من الميدان أن أبناء عدد من القرى بدأوا التواصل مع الجيش لتأمين طرد المسلحين منها وتسوية أوضاع بعضهم، لتجنيب قراهم معارك مدمرة على شاكلة معركة دير العدس , وستحمل الساعات القادمة انباء عن حصول بعض من هذه التسويات.
إن الحملة العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري وحلفاؤه, من حيث التوقيت والأهداف, فيها الكثير من الدلالات, فمنطقة الجولان الاستراتيجية تحمل في كل خطوة وحدث دلالات وقعها ليس أقل من استراتيجي, فما هي دلالات التوقيت وما تحمله عمليات تطهير الجيش السوري للحدود الجنوبية من أهداف وتداعيات, كلام نضعه بين ايديكم في مقال اخر تحت عنوان: " عمليات الجنوب السوري _ إجهاض مشروع جيش لحد الجديد في الجولان ."
