الوقت- احتدمت في الاونة الاخيرة المعركة الانتخابية في الكيان الصهيوني، بين معسكر اليمين بزعامة "نتنياهو"، واحزاب الوسط واليسار بزعامة "المعسكر الصهيوني". والواضح ان رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو يسعى جاهدا للبقاء على راس السلطة اليهودية لتمرير خطته الساعية الى تهويد القدس الشريف وجعل الاراضي الفلسطينية مرتعا ليهود العالم. لكن سياسة نتنياهو لم تلق ترحيبا في الوسط الصهيوني من جهة و الاميريكي من جهة اخرى فبرزت بذلك المعارك بين نتنياهو والحزب الديمقراطي الاميريكي. فكيف ينتهي هذا الخلاف وماذا سيكون تاثيره على الاوضاع الراهنة في الوسط الصهيوني؟
انتخابات بنكهة معركة بقاء
على رغم الظروف الصعبة التي تمر بها دول المنطقة وانعكاساتها الخطيرة، والمنافسة الشرسة بين اليمين واليسار داخل الكيان، اقتصرت حتى الآن المعركة الانتخابية بين الاطراف الاسرائيلية على حملات كلامية واتهامات من اليسار لنتنياهو بهدر المال العام، واتهامات مضادة من اليمين للمعسكر الصهيوني بالحصول على اموال خارجية لتمويل حملته الانتخابية، من غير ان يتطرق احد الى المشاكل الحقيقية مثل النزاع مع الفلسطينيين والموقف مما يجري على الحدود مع لبنان وسوريا.
و يسعى نتنياهو في حملته الانتخابية بابراز الجانب الامني ويصور نفسه بانه الوحيد القادر على حماية "إسرائيل". ومن المحتمل ان تكون العملية الإسرائيلية في القنيطرة التي استهدفت كوادر في حزب الله وجنرالا ايرانيا، تهدف الى تحسين شعبيته بعد استطلاعات الرأي التي عكست تراجعا لشعبية حزب الليكود وتقدما لـ"المعسكر الصهيوني"، لكن موقف الاحتواء الذي اتخذته حكومة نتنياهو من الهجوم الذي شنه "حزب الله" في مزارع شبعا ضد الاليات الاسرائيلية عاد الى خلط الاوراق من جديد، وأثار شكوكا داخل الكيان الصهيوني حول صواب قرار الحكومة الإسرائيلية تنفيذ هجوم القنيطرة في هذا الوقت بالذات، والحكمة من وراء كشف تراجع الردع الإسرائيلي في مواجهة "حزب الله".
الظروف الانتخابية الصهيونية اذا تتجه نحو المجهول، و السجال السياسي الظاهر بين الاطراف السياسية لا يمكن تسميته سوى " معركة بقاء". فحكومة نتنياهو تجر اذيال الخيبة في كل قرار تتخذه وتدمر شعبية الحزب الحاكم يوما بعد يوم، والمعسكر الصهيوني يسعى جاهدا لعزل نتنياهو والاستيلاء على القرار والسلطة.
هروب الى الكونغرس
من المؤكد ان نتانياهو يعتمد على رصيده العسكري القديم للبقاء في السلطة ويلجأ اليه كلما انتكست مسيرته السياسية، فيشكل رافعة له يعتمد عليها لمواصلة طريقه، ولكن هذا الرصيد بدأ ينقص وسيصل الى وقت ينضب فيه، وعندها سيجد نفسه متأخرا في كل شيء، بما فيه السياسة. ولم يكن من السهل على رجل مثل نتانياهو يتمتع بهذه الخلفية العسكرية التي يتباهى بها ان يرى نفسه يرزح تحت ضغط انتقادات من يعتبرهم اقل منه شأنا من الناحية العسكرية ويعلنون فشله في حماية "الاسرائيليين"، فكان لا بد له من ان يقوم بتحرك ما لاعادة السيطرة على الاوضاع فكانت عملية القنيطرة. لكنها لم تحقق الهدف المطلوب خاصة بعد العملية النوعية التي قام بها حزب الله في شبعا.
لذلك يحاول نتنياهو استغلال الخطاب الذي سيلقيه أمام الكونغرس الأميركي، في اذار القادم، والذي سيتناول فيه البرنامج النووي الإيراني ويطالب بفرض عقوبات جديدة على إيران، لتلميع صورته الانتخابية.
لكن الخطاب الذي يسعى نتنياهو لاستخدامه كقارب نجاة، بدا يتحول الى مشكلة شائكة تهدد العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، بعدما أبدى البيت الأبيض تحفظه عن الزيارة، والاحراج الذي يشعر به اعضاء الكونغرس من الحزب الديموقراطي الذين يضعهم نتنياهو أمام موقف يتعارض تماما مع مواقف الرئيس الأميركي الرافض لفرض اية عقوبات على إيران في الوقت الحاضر.
الدعوة التي ارسلها رئيس الكونغرس الى نتنياهو لالقاء الخطاب لم تلقى ترحيبا في الوسط "الديمقراطي" الامريكي فقد رد اوباما بعدم نيته استقبال نتانياهو، فيما اعرب العديد من النواب الديمقراطيين نيتهم عدم حضور الجلسة، لانها اخذت منحى سياسيا وتأتي قبل اسبوعين فقط من الانتخابات الاسرائيلية.
محاولة فرار نتانياهو من اخفاقاته الماضية ادخلته في دوامة سياسية اميركية دقيقة، فأوباما يجهد منذ ولايته الثانية لتحقيق خرق في العلاقات بين واشنطن وطهران يعيد الى الديمقراطيين نوعا من الفوز المعنوي بعد الخسائر التي منيوا بها، خصوصا في الانتخابات، بينما يدخل نتانياهو من هذا الباب، ليتحدث عن الخطر الايراني، وهو امر يرى فيه اوباما تحديا شخصيا له، ومحاولة رخيصة ليكسب المسؤول الصهيوني بعض الاصوات اليهودية من خلال ايحائه بأنه يلقى دعم مجلس النواب الاميركي.
طرد ديمقراطي لـ " اللاجئ السياسي"
اللجوء السياسي لنتنياهو قابله طرد من الحزب الديمقراطي الامريكي، فقد ذكرت صحيفة 'هآرتس' ، انه على الرغم من "ماراثون" المكالمات الهاتفية التي يجريها رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو، مع اعضاء الكونغرس الاميركي من الحزب الديموقراطى لتليين إنتقادهم لخطابه المقرر امام الكونغرس قبل اسبوعين من الانتخابات الاسرائيلية، الا ان الديموقرطيين مصرين على التلميح لنتنياهو لالغاء خطابه المقرر.
واضافت الصحيفة ان الحديث الاشد بهذا الشأن هو ما ورد يوم امس على لسان زعيمة الديموقراطيين في الكونغرس، "نانسي بيلوسي"، بأنها لا تستبعد ان يتغيب اعضاء الحزب الديموقراطي عن الجلسة اثناء إلقاء نتنياهو لخطابه.
صحيفة "نيويورك تايمز"، اشارت ايضا الى ان جهود نتنياهو الأخيرة لم تؤد إلا إلى تقدم بسيط. كاشفة عن اتصالات قام بها نتنياهو بكل من السيناتور الديموقراطي عن ولاية نيفادا، "هاري ريد"، وممثلة الحزب الديموقراطي عن ولاية كاليفورنيا، "نانسي بيلوتسي"، والسيناتور الديموقراطي عن ولاية نيويورك، "شارلز سكامز"، ليشرح القضيّة المستجدة في العلاقة بين الكيان و واشنطن.
السيناتور "ريد"، وهو من أبرز الداعمين لإسرائيل، نصح نتنياهو بأن الخطاب قد تحوّل إلى مشكلة. أما "بيلوسي"، فقد شدّدت على أن الخطاب يمكن أن يبعث برسالة خاطئة في ما يتعلق بإعطاء فرصة للدبلوماسية في الملف النووي الايراني.
اقل ما يمكن قوله عن وضع نتانياهو حاليا انه يسير على حفة الهاوية، في كافة المجالات، فعسكريا لم يفلح بتقديم الحماية للدولة اليهودية، و سياسية اضر بالعلاقات الاسرائيلية الامريكية، ولم يفلح في المحافظة على العلاقات الاسرائيلية الدولية، فاتهامه العلني لقوات اليونيفيل في لبنان بغض النظر و التحيّز بعد عملية شبعا لاقت اصداء سلبية، خصوصا وان الكيان مسؤول عن مقتل الجندي الاسباني العامل ضمن هذه القوات خلال قصفها للمناطق اللبنانية بعد العملية. وعليه، يبقى رهانه على ما تبقى من رصيده، فإلى متى سيبقى هذا الرصيد صالحا؟!!!